للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشدّ، فلمّا ألزموها التأخير استجازوا رفعها بالابتداء؛ لأنّ «إنّ» المكسورة لا تباشرها إذا دخلت على الجملة، كقولك: إنّ من الصّواب أنك تنطلق.

ومثل قوله:

أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

{وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً} (١) على المذهبين.

وقال أبو العلاء المعرّىّ فى تفسير قوله: «منى كنّ لى. . .» البيت: لو أنّ هذا الكلام فى غير الشّعر لكان ثبوت الألف واللام فى «شباب» أحسن؛ لأنه مضاه لقولهم: المشيب. وكانت العرب فى الجاهليّة إذا اتّفق لها مثل هذا آثرت دخول لام التعريف، وإن قبح فى السّمع، وأكثر ما يجيء فى شعر امرئ القيس، فمنه قوله (٢):

فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة ... كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان

فقد أساءت الألف واللام الوزن عند السّامع، وآثرها قائل البيت على الحذف، ولو حذف لكان الحذف أحسن فى الغريزة، ولكن دخول الألف واللام أثبت فى تمكين اللفظ، وكذلك قوله (٣):

فلما أجنّ الشّمس عنّى غئورها ... نزلت إليه قائما بالحضيض

وأقول: إنّ اللام فيما ذكره أبو العلاء لا تخلو أن تكون لتعريف الجنس، أو تكون عوضا من تعريف الإضافة إلى الضمير، فكونها لتعريف الجنس، فى مثل قوله: «وجه الجبان»، وكونها عوضا من تعريف الإضافة، فى مثل قولك: حسن الوجه، الأصل: حسن وجهه، فلما حذفت الهاء من «وجهه» عرّفته باللام،


(١) سورة فصلت ٣٩. وانظر إعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ٢/ ٥١٤.
(٢) ديوانه ص ٨٦.
(٣) ديوانه ص ٧٤.