للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنى بالبقر عن النّساء، على مذهب العرب فى تشبيههم النّساء بالبقر الوحشيّة، يريدون بذلك شدّة سواد عيونهنّ، قال عبد الرحمن بن حسّان (١):

صفراء من بقر الجواء كأنّما ... ترك الحياء بها رداع سقيم

الرّداع: وجع الجسم أجمع. ويروى: «أثر الحياء».

وقوله: «لا تجزنى» دعاء بلفظ النّهى، فحكمه فى الجزم حكم النّفى، كما قال:

فلا تشلل يد فتكت بعمرو ... فإنّك لن تذلّ ولن تضاما (٢)

وكذلك استعمال الدعاء بلفظ الأمر، كقولك: ليقطع الله يده.

والضّنى: الداء المخامر الذى إذا ظنّ صاحبه أنه قد برأ نكس.

وقوله: «بعدها» أراد بعد فراقها، فحذف المضاف.

وقوله: «بى» صفة لضنى، فالباء متعلّقة بمحذوف، تقديره: كائن أو واقع. ويحتمل الناصب للظّرف الذى هو «بعدها» وجهين: إن شئت أعملت فيه المصدر الذى هو «ضنى»، وإن شئت أعملت فيه الباء التى فى «بى»؛ لأنّ الظرف وحرف الخفض إذا تعلّقا بمحذوف عملا فى الظرف وفى الحال، كقولك:

زيد فى الدار اليوم، وهو عند جعفر غدا.

والهاء فى «بعدها» عائدة على «بقر»، وإن كانت «بقر» متأخّرة، وجاز


(١) لم أجد من نسبه هذه النسبة غير ابن الشجرىّ، وقد نسبه الشريف المرتضى فى أماليه ١/ ٤٩٤ لبشر بن عبد الرحمن الأنصارى. ونسب فى اللسان (ردع) إلى مجنون بنى عامر، وأنشد من غير نسبة فى أمالى القالى ١/ ٢٠٣، والصحاح (ردع) وشرح الحماسة ص ١٣٥٧. وأثبته جامع ديوان المجنون ص ٢٥٦، عن اللسان، وفى حواشيه فضل تخريج. والجواء: اسم موضع.
(٢) فرغت منه فى المجلس السابع والسّتّين.