للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس يستعملون المجانة فى معنى الهزء بالشىء والتّهاون به، يقولون: فلان ماجن، إذا كان مسرفا فى اللهو والقول لما لم يكن. فأمّا أهل اللغة فيقولون:

مجن: إذا مرن على الشىء. انتهى كلامه.

والذى قاله غير صحيح، بدلالة أن المجانة قد وردت فى الشّعر القديم، على ما ذهب إليه المتنبّى، وذلك فى قول يزيد بن مفرّغ الحميرىّ، يهجو عبّاد بن زياد بن أبيه:

شجاع فى المجانة والمخازى ... جبان عند محتضر المصاع (١)

وقال أبو الحسين بن فارس فى المجمل: «المجون: ألاّ يبالى الإنسان بما صنع» (٢)، فهذا دفع لما قاله أبو زكريّا، من جهة شعر العرب، ومن جهة قول أهل اللغة.

... وقال المتنبّى يصف جيشا فى أرض قطعها، ويخاطب الممدوح:

جيش كأنك فى أرض تطاوله ... والأرض لا أمم والجيش لا أمم (٣)

يقول: بعدت الأرض وطالت، فكأنها تطاول جيشك البعيد أطرافه.

والأمم: بين القريب والبعيد. ثم فسّر هذا بقوله:

إذا مضى علم منها بدا علم ... وإن مضى علم منها بدا علم

أراد بالعلم من الأرض: الجبل، وبالعلم من الجيش: الراية، يقول:

فلا الجبال تفنى، ولا أعلام الجيش.


(١) لم أجده فى ديوان ابن مفرّغ المطبوع، مع وجود أبيات من وزن البيت وقافيته وموضوعه، وذلك فى ص ١٠٠ - ١٠٤.
(٢) المجمل ص ٨٢٣، وأيضا المقاييس ٥/ ٢٩٩.
(٣) ديوانه ٤/ ١٨،١٩.