للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو زكريا: ولو قال: وإن مضى عالم منه، لكان أحسن فى حكم الشّعر؛ لأنّ تكرير «العلم» فى البيت كثر. وقوله: وإن مضى عالم، يقلّل تردّد «العلم» ويدلّ على كثرة الجيش. انتهى كلامه.

وأقول: إن المتنبّى لو قال ما ذهب إليه أبو زكريّا، فاستعمل «العالم» فى موضع «العلم» كان قبيحا فى صناعة الشّعر؛ لأنه قد أتى بذكر «العلم» الذى هو الجبل مرّتين، فوجب أن يقابله بذكر «العلم» الذى هو الراية مرّتين.

وأما قوله: إنه لو قال: «مضى عالم» دلّ على كثرة الجيش، فكذلك ذكر «العلم» يدلّ على كثرة الجيش؛ لأن العلم يكون تحته أمير معه عالم.

وأمّا كراهيته لتكرير «العلم» فقول من جهل ما فى التكرير من التوكيد والتّبيين، إذا تعلّق التكرير بعضه ببعض، بحرف عطف، أو بحرف شرط، أو غير ذلك من المعلّقات، كما جاء فى التنزيل: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ} (١) ومثله: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اِسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ} (٢). فالتكرير فى هذا النحو حسن مقبول، وإذا جاء هذا فى القرآن علمت أن التكرير فى بيت أبى الطيّب غير معيب، وإنما يعاب التكرير إذا ورد اللفظ فى بيتين أو ثلاثة والمعنى واحد.

ووهم (٣) أبو زكريّا في بيت لأبى نواس، حمل عليه بيتا لأبى الطيّب، وذلك قول أبى الطيّب:


(١) سورة آل عمران ٧٨. وانظر مبحث التكرير فى القرآن الكريم، فى تأويل مشكل القرآن ص ٢٣٥، وإعجاز القرآن ص ١٠٦، وبديع القرآن ص ١٥١، والمراجع التى بحاشيته. وشرح الكافية البديعية ص ١٣٤.
(٢) سورة التوبة ٦٩.
(٣) هذه المسألة كلّها-إلى قوله: «مثل وقت الوداع» تقدّمت فى المجلس السادس والسبعين. والشواهد كلّها مخرّجة هناك.