يا من لجود يديه فى أمواله ... نقم تعود على اليتامى أنعما
حتى يقول الناس ماذا عاقلا ... ويقول بيت المال ماذا مسلما
قال أبو زكريّا: عظّم الممدوح تعظيما وجب معه ألا يكون خاطبه بقوله:
حتى يقول الناس ماذا عاقلا
وإنما تبع فى ذلك الحكمىّ فى قوله:
جاد بالأموال حتّى قيل ما هذا صحيح
ويجوز أن يكون أبو الطيّب ظنّ أنّ أبا نواس أراد: ما هذا صحيح العقل، ولعلّه لم يرد ذاك، وإنما أراد: ما هذا الفعل صحيح. انتهى كلامه.
وأقول: إن أبا نواس لم يرد إلاّ ما ذهب إليه المتنبّى؛ لأنّ أبا نواس قد صرّح بهذا المعنى فى قصيدة أخرى، وأتى بلفظة أقبح من قوله: «ما هذا صحيح» فقال:
جدت بالأموال حتّى ... حسبوه الناس حمقا
وتبعه فى ذلك أبو تمام فقال:
ما زال يهذى بالمكارم والنّدى ... حتى ظننّا أنه محموم
ويروى: «يهذر» والأصل فى هذا قول أعرابىّ، فيما أورده الجاحظ فى كتاب الحيوان:
حمراء تامكة السّنام كأنها ... جمل بهودج أهله مظعون
جادت بها عند الوداع يمينه ... كلتا يدى عمر الغداة يمين
ما كان يعطى مثلها فى مثله ... إلاّ كريم الخيم أو مجنون
فعلى هذا المنوال نسج أبو الطيّب بيته، فأراد أنه يفرط فى الجود حتّى ينسبه الناس إلى عدم العقل، ولو كان بيت المال مما يصحّ منه الكلام لقال: ماذا مسلما؛ لأنه فرّق أموال المسلمين، ويجوز أن يكون أراد: حتى يقول خزّان بيت المال، وحذف المضاف، كما حذف فى {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}.