للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث كانت التثنية عددا تركّب من ضمّ واحد إلى واحد، وأول الجمع، وهو الثلاثة، تركّب من ضمّ واحد إلى اثنين، فلذلك قال: «لأن الاثنين جميع» وقوله:

«ولكنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يكون مفردا وبين ما يكون شيئا من شيء» معناه أنهم أعطوا المفرد حقّه من لفظ التثنية، فقالوا فى رجل: رجلان، وفى وجه:

وجهان، ولم يفعل ذلك أهل اللغة العليا فى قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين، وذلك أن الوجه المضاف إلى صاحبه إنما هو شيء من شيء، فإذا ثنّيت الثانى منهما علم السامع ضرورة أن الأول لا بدّ من أن يكون وفقه فى العدّة (١)، فجمعوا الأول كراهة أن يأتوا بتثنيتين متلاصقتين فى مضاف ومضاف إليه، والمتضايفان يجريان مجرى الاسم الواحد، فلمّا كرهوا أن يقولوا: ما أحسن وجهى الرجلين، فيكونوا كأنهم قد جمعوا فى اسم واحد بين تثنيتين، غيّروا لفظ التثنية الأولى بلفظ الجمع، إذ العلم محيط بأنه لا يكون للاثنين أكثر من وجهين، فلمّا أمنوا اللبس فى وضع الوجوه موضع الوجهين استعملوا أسهل اللفظين (٢).

فأمّا ما فى الجسد منه اثنان، فتثنيته إذا ثنّيت المضاف إليه واجبة، تقول: فقأت عينيهما، وقطعت أذنيهما، لأنك لو قلت: أعينهما وآذانهما، لالتبس بأنك أوقعت الفعل بالأربع.

فإن قيل: فقد جاء فى القرآن: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} (٣) فجمع اليد، وفى الجسد يدان، فهذا يوجب بظاهر اللفظ إيقاع القطع بالأربع.

الجواب: أن المراد: فاقطعوا أيمانهما، وكذلك هى فى مصحف عبد الله (٤)، فلما/ علم بالدليل الشرعىّ أن القطع محلّه اليمين، وليس فى الجسد إلاّ يمين واحدة، جرت مجرى آحاد الجسد فجمعت كما جمع الوجه والظهر والقلب (٥).


(١) فى هـ‍ «لا بدّ أن يكون وفقه فى جميع العدّة» وفى الخزانة ٣/ ٣٧٠ «لا بدّ أن يكون وفقه فى العدد».
(٢) هنا انتهى ما حكاه البغدادىّ عن ابن الشجرىّ. وقال عقبه: وهذا علّة البصريين.
(٣) سورة المائدة ٣٨.
(٤) ابن مسعود، رضى الله عنه. وانظر معانى القرآن ١/ ٣٠٦، وتفسير الطبرى ١٠/ ٢٩٤، والخزانة ٣/ ٣٧١.
(٥) فى الخزانة: والبطن.