للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والضرب الثالث من ضروب التثنية: تثنية التغليب، وذلك أنهم أجروا المختلفين مجرى المتفقين، بتغليب أحدهما على الآخر، لخفّته أو شهرته، جاء ذلك مسموعا فى أسماء صالحة، كقولهم للأب والأم: الأبوان، وللشمس والقمر: القمران، ولأبى بكر وعمر رضى الله عنهما: العمران، غلّبوا القمر على الشمس لخفّة التذكير، وغلّبوا عمر على أبى بكر، لأن أيام عمر امتدّت فاشتهرت، ومن زعم أنهم أرادوا بالعمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، فليس قوله بشىء، لأنهم نطقوا بالعمرين من قبل أن يعرفوا عمر بن عبد العزيز، وروى أنهم قالوا لعثمان رضوان الله عليه: نسألك سيرة العمرين، وقال الفرزدق (١):

أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنّجوم الطّوالع

أراد لنا شمسها وقمرها، وعنى بالشمس إبراهيم، وبالقمر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وبالنّجوم عشيرة (٢) النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك أراد المتنبى بالقمرين الشمس والقمر فى قوله (٣):

واستقبلت قمر السّماء بوجهها ... فأرتنى القمرين فى وقت معا

ولو لم يرد الشمس والقمر لم يدخل (٤) الألف واللام، ولقال: أرتنى قمرين.

وقيل فى قوله تعالى: {يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (٥): إن المراد المشرق والمغرب، فغلّب المشرق لأنه أشهر الجهتين.


(١) ديوانه ص ٥١٩، وأنشده ابن الشجرى أيضا فى المجلس الحادى والستين. وانظر الكامل ١/ ١٤٣، والمقتضب ٤/ ٣٢٦، ومجالس العلماء ص ٣٦، وإعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ص ٧٨٨، وشرح الجمل ١/ ١٣٦، ومعجم الشواهد ص ٢٢١.
(٢) حكى تاج الدين السبكى فى طبقات الشافعية الكبرى ٢/ ١٩٨، عن والده، هذا التأويل عن أمالى ابن الشجرى، لكن ورد فى حكايته أن المراد بالنجوم «الصحابة». وانظر الموضع السابق من مجالس العلماء، والمغنى ص ٧٦٥، وشرح أبياته ٨/ ٨٨.
(٣) ديوانه ٢/ ٢٦٠، ومعجم الشواهد ص ٢١٤.
(٤) هذا من تأويل الشيخ عبد القاهر فى أسرار البلاغة ص ٢٩٣.
(٥) سورة الزخرف ٣٨، وحكى تأويل ابن الشجرىّ، الزركشىّ فى البرهان ٣/ ٣١٢.