للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للارتفاع وحده، مجرّدا من معنى التقدّم فى قولهم: تعالى الله.

والوجه فى «ما» أن تكون خبريّة، فى موضع نصب بأتل، والمعنى: تعالوا أتل الذى حرّمه ربّكم عليكم، فإن علّقت «عليكم» بحرّم فهو الوجه، لأنه الأقرب، وهو اختيار البصريّين، وإن علّقت بأتل فجيّد، لأنه الأسبق، وهو اختيار الكوفيين (١)، فالتقدير فى هذا القول: أتل عليكم الذى حرّم ربكم.

وأجاز الزجّاج (٢) أن تكون «ما» استفهامية، فى موضع نصب بحرّم، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول محكيّة بالتّلاوة، لأن التلاوة بمنزلة القول، فكأنه قيل: تعالوا أتل أىّ شيء حرّم ربّكم عليكم، أهذا الذى ادّعيتم تحريمه، أم هذا الذى جئتكم بتحريمه؟ وجوّز أن يكون المراد بالمتلوّ المحرّمات المذكورة فى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} (٣).

/فأمّا قوله: {أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} فيحتمل العامل فيه وجوها: أحدها فى قول بعض معربى (٤) القرآن أن يكون فى موضع نصب، بدلا من «ما».

والثانى: أجازه هذا المعرب: أن يكون فى موضع رفع، على تقدير مبتدأ محذوف، أى: هو ألاّ تشركوا به شيئا، ولا يصحّ عندى هذان التقديران، إلا أن يحكم بزيادة «لا» لأن الذى حرّمه الله عليهم هو أن يشركوا به، فإن حكمت بأن


(١) على رأيهم فى إعمال أول المتنازعين. قاله فى المغنى ص ٢٧٧، وحكاه أبو حيان فى البحر ٤/ ٢٤٩ عن ابن الشجرىّ، والقرطبى ٧/ ١٣١.
(٢) معانى القرآن ٢/ ٣٠٣.
(٣) سورة الأنعام ١٤٥.
(٤) لعل ابن الشجرى يعنى مكّىّ بن أبى طالب؛ فإنه هو الذى ذكر الوجهين الآتيين بالترتيب الوارد هنا، فى كتابه مشكل إعراب القرآن ١/ ٢٩٨، ولابن الشجرىّ عليه تعقّبات أوردها فى آخر مجالسه من الأمالى. نعم حكى القرطبىّ فى تفسيره-الموضع السابق-الوجه الأول، وعزاه إلى النحاس، وهو فى إعراب القرآن له ١/ ٥٩١. ونقل ابن هشام كلام ابن الشجرى، وقوله: «بعض المعربين» ولم يسمّه. راجع الموضع السابق من المغنى.