للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لا» للنفى صار المحرّم ترك الإشراك، فإذا قدّرت بها الطّرح كما لحقت مزيدة فى نحو: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ} (١) و {ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} استقام القولان.

وأجاز الزجّاج فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون منصوبا بتقدير طرح اللام، وإضمار «أبيّن» أى أبيّن لكم الحرام لأن لا تشركوا به شيئا، لأنهم إذا حرّموا ما أحلّ الله لهم فقد جعلوا غير الله بمنزلة الله، ولمّا جعلوه فى قبولهم منه بمنزلة الله، صاروا بذلك مشركين.

والثانى: أن يكون محمولا على المعنى، فتضمر له فعلا من لفظ الأول ومعناه، وتقديره: أتل عليكم ألاّ تشركوا به شيئا، أى أتل عليكم تحريم الإشراك.

والثالث: أن يكون منصوبا بتقدير: أوصيكم بألاّ تشركوا به شيئا؛ لأن قوله:

{وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} (٢) محمول على معنى: وأوصيكم بالوالدين إحسانا. انتهى كلام الزجّاج.

ويدلّ على تقدير إضمار الإيصاء قوله فى آخر الآية: {ذلِكُمْ وَصّاكُمْ} فانتصاب {إِحْساناً} على أنّه مفعول ثان لأوصيكم، كقولك: أوصيك بزيد خيرا. قال أبو النجم (٣):

أوصيت من برّة قلبا حرّا ... بالكلب خيرا والحماة شرّا

ويحتمل عندى قوله: {أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ} وجهين آخرين، أحدهما: أن تكون «أن» مفسّرة بمعنى «أى» كالتى فى قوله تعالى: {وَاِنْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ اِمْشُوا} (٤) معناه: أى امشوا، وتكون «لا (٥)» نهيا، و «أن» المفسّرة تؤدّى معنى


(١) الآية المتمة الأربعين من سورة المعارج.
(٢) سورة الأعراف ١٢.
(٣) ديوانه ص ١٢٣، وتخريجه فى ص ٢٤٩، وزد عليه الكامل ٣/ ٩٥، والخزانة ٢/ ٤٠٣.
(٤) الآية السادسة من سورة ص.
(٥) جعله الفراء من بعض وجوه الإعراب. معانى القرآن ١/ ٣٦٤، وانظر إعراب القرآن للنحاس، الموضع السابق.