للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الآخر: أن يكون {أَحْبَبْتُ} من قولهم: أحبّ البعير: إذا وقف فلم ينبعث، والإحباب فى الإبل كالحران فى ذوات الحافر، وأنشدوا:

/حلت عليه بالقطيع ضربا ... ضرب بعير السّوء إذ أحبّا (١)

فيكون انتصاب {حُبَّ الْخَيْرِ} على أنه مفعول له، و «عن» متعلّقة بمعنى أحببت، لأنه بمعنى تثبّطت، وهذا القول عن أبى عبيدة، حكاه عنه علىّ بن عيسى الرّمانىّ، قال: قال أبو عبيدة: أحبّ البعير إحبابا، وهو أن يبرك فلا يثور، وذلك فى الإبل كالحران فى الخيل، ومنه (٢) قوله تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أى لصقت (٣) بالأرض لحبّ الخير حتى فاتتنى الصلاة، قال أهل التفسير:

وكانت هذه الخيل وردت على سليمان عليه السلام من غنيمة جيش كان له، فلما صلّى الظهر دعا بها فلم تزل تعرض عليه حتى غابت الشمس ولم يصلّ العصر، وكان مهيبا لا يبتدأ بشىء ولا يجسر أحد أن ينبّهه لوقت صلاة، ولم يكن ذلك عن تكبّر منه.

قال الزجاج: ولست أدرى أكانت صلاة العصر مفروضة فى ذلك الوقت أم لا؟ إلا أنّ عرض الخيل شغله حتى جاز (٤) وقت يذكر فيه الله تعالى، [قال (٥)]:


(١) البيتان لأبى محمد الفقعسى. وهما فى الأصمعيات ص ١٦٣، والمحتسب ١/ ٣٦٤، والجمهرة ١/ ٢٥، واللسان (حبب-قفل)، والبيت الأول فى اللسان (قرشب)، والثانى فى مقاييس اللغة ٢/ ٢٧، وتفسير القرطبى ١٥/ ١٩٤.
(٢) العجب أن أبا عبيدة لم يذكر هذا التفسير فى كتابه مجاز القرآن ٢/ ١٨٢، حين عرض للآية الكريمة، إنما قال: «مجازه أحببته حبّا، ثم أضاف الحبّ إلى الخير». وجاء بحاشيته من نسخة: «قال أبو حاتم: ليس الأمر على ما ظنّ أبو عبيدة، إنما معنى «أحببت» لزمت الأرض فلم أقم للصلاة، والإحباب: اللزوق بالأرض، يقال: بعير محبّ، إذا لزق بالأرض من مرض به».
(٣) حكى صاحب اللسان (حبب) هذا الكلام عن أبى عبيدة. وانظر التعليق السابق.
(٤) فى هـ‍ «جاوز» وكذلك فى الأصل، مع أثر تغيير، فقد كتبت «جاز» أولا، وهو الذى فى معانى القرآن الموضع السابق وفى نقل ابن الشجرى عنه بعض اختلاف.
(٥) سقط من هـ‍.