للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال (١) أهل اللغة فى قوله: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ:} يعنى [به] الشمس، ولم يجر لها ذكر، قال: وهذا لا أحسبهم أعطوا فيه الفكر حقّه (٢)، لأن فى الآية دليلا على الشمس، وهو قوله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} لأن معناه إذ عرض عليه بعد زوال الشمس (٣)، وليس يجوز الإضمار إلا أن يجرى له ذكر أو دليل بمنزلة الذّكر.

انتهى كلامه.

وأقول (٤): إن إضمار الغائب مستعمل فى كلام العرب على أربعة أوجه: الأول:

عود الضمير إلى مذكور قبله، كقولك: زيد لقيته، وهند قامت، وأخواك أكرمتهما، وإخوتك انطلقوا، والنّساء برزن، هذا هو الأصل فى ضمير الغيبة.

والثانى: توجيه الضمير إلى مذكور بعده، ورد فى سياقة الكلام مؤخّرا ورتبته /التقديم، كقولك: ضرب غلامه زيد، وأكرمتهما أخواك، وكقولهم: «فى بيته يؤتى الحكم (٥)»، وكقول زهير (٦):

إن تلق يوما على علاّته هرما ... تلق السّماحة منه والنّدى خلقا

ومثله فى التنزيل: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} (٧) {وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (٨).


(١) من هنا إلى آخر الفقرة أورده ابن الجوزى منسوبا إلى نفسه. راجع الموضع المذكور من زاد المسير.
(٢) لم يرد فى هـ‍، ولا فى إعراب القرآن للزجاج. وانظر تأويل مشكل القرآن ص ٢٢٦.
(٣) فى إعراب القرآن، وزاد المسير: «بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب».
(٤) أعاد ابن الشجرى هذا الكلام فى المجلس السابع والسبعين.
(٥) من أمثال العرب. انظره فى مجمع الأمثال ٢/ ٧٢، والدرة الفاخرة فى الأمثال السائرة ص ٤٥٦، والمقتضب ٤/ ١٠٢، والأصول ٢/ ٢٣٩، والإنصاف ص ٦٦،٢٥٢، وأعاده المصنف فى المجلس السابع والسبعين.
(٦) ديوانه ص ٥٣، والموضع السابق من المقتضب.
(٧) سورة طه ٦٧.
(٨) سورة القصص ٧٨.