للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: رجوع الضمير إلى معلوم قام قوّة العلم به، وارتفاع اللّبس فيه بدليل لفظىّ أو معنوىّ مقام تقدّم الذّكر له، فأضمروه اختصارا أو ثقة (١) بفهم السامع، كقوله: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} أضمر الشمس لدلالة ذكر {بِالْعَشِيِّ} عليها، من حيث [كان (٢)] ابتداء العشىّ بعد زوال الشّمس، ومثله: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (٣) أضمر القرآن، لأن ذكر الإنزال دلّ عليه، ومثله: {فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (٤) و {كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ} (٥) أضمر النفس لدلالة ذكر {الْحُلْقُومَ} و {التَّراقِيَ} عليها، ومثله قول حاتم (٦):

أماوىّ ما يغنى الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر

أراد حشرجت النفس: أى تردّدت، ومثله إضمار الأرض لقوّة الدلالة عليها فى قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} (٧) و {ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ} (٨) ومنه قول الحطيئة (٩):

ألا طرقتنا بعد ما هجعوا هند ... وقد سرن خمسا واتلأبّ بنا نجد

أراد هجع أصحابى، فأضمرهم وأضمر المطايا فى سرن، والبيت أول القصيدة، ومنه فى شعر المحدثين قول دعبل (١٠):


(١) فى هـ‍ «وثقة».
(٢) زيادة من هـ‍.
(٣) مفتتح سورة القدر.
(٤) سورة الواقعة ٨٣.
(٥) سورة القيامة ٢٦.
(٦) ديوانه ص ٢١٠، وتخريجه فى ص ٣٥٢، وهذا بيت سيّار، وقد أعاده ابن الشجرى فى المجلس السابع والسبعين.
(٧) سورة الرحمن ٢٦.
(٨) الآية الأخيرة من سورة فاطر.
(٩) ديوانه ص ٦٣، وتخريجه فيه، وزد عليه المنصف ٣/ ٢٦.
(١٠) ديوانه ص ١١٦، وتخريجه فى ص ١١٥، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس السابع والسبعين.