للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ} تعود فى هذين القولين على العباد، فى قول من فسّر الظالم لنفسه بالمنافق، وقول من فسّره بالمشرك، فتقديره: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمن عبادنا ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات. وأما الإشارة فى قوله: {ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فموجّهة إلى السّبق الذى دلّ عليه (سابق) كما وجّهت الإشارة إلى الصبر والغفران فى قوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (١) لدلالة فعليهما عليهما، وكما عاد الضمير إلى السّفه، الذى دل عليه السفيه فى قول القائل (٢):

إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف

/أى جرى إلى السّفه، ومثله قول القطامىّ (٣):

هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... والآخذون به والسّاسة الأول

أراد الآخذون بالملك، فأضمره لدلالة ذكر الملوك عليه، والإشارة بمنزلة الإضمار، ألا ترى أنها قد سدّت مسدّ الضمير فى قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً} (٤) فالإشارة من «أولئك» قامت مقام الضمير العائد من الجملة إلى المخبر عنه، فكأنه قيل: كلّهنّ كان عنه مسئولا.

آخر المجلس.

...


(١) سورة الشورى ٤٣.
(٢) غير مسمّى. والبيت فى معانى القرآن ١/ ١٠٤، وتأويل مشكل القرآن ص ٢٢٧، ومجالس ثعلب ١/ ٦٠، ونقائض جرير والأخطل ص ١٥٧، والخصائص ٣/ ٤٩، والمحتسب ١/ ١٧٠، وشرح الحماسة ص ٢٤٤، وأمالى المرتضى ١/ ٢٠٣، والإنصاف ص ١٤٠، والهمع ١/ ٦٥. وفى حواشى تأويل المشكل مراجع أخرى. ونسب إلى أبى قيس بن الأسلت فى إعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ص ٩٠٢، وليس فى ديوانه المطبوع. وأعاد ابن الشجرى إنشاده فى المجالس: السابع عشر، والثامن والثلاثين، والتاسع والخمسين، والخامس والسّتّين.
(٣) ديوانه ص ٣٠، والموضع المذكور من معانى القرآن، وأمالى المرتضى، وجمهرة أشعار العرب ص ٨١٩، والخزانة ٥/ ٢٢٦. والبيت أعاده ابن الشجرى فى المجلسين الثامن والثلاثين، والسادس والسبعين.
(٤) سورة الإسراء ٣٦.