للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برجل مشهور بعمل المصانع (١) والحصون والقصور للملوك، يقال (٢) له سنمّار، وكان يبنى سنين ويغيب سنين، يريد بذلك أن يطمئنّ البناء، فلما فرغ منه تعجّب النعمان من حسنه، وإتقان عمله، فقال له سنمّار عند ذلك تقرّبا إليه بالحذق وحسن المعرفة: أبيت اللّعن، والله إنى لأعرف فيه موضع حجر لو زال لزال جميع البنيان، فقال له: أوكذلك؟ قال: نعم، قال: لا جرم والله لأدعنّه لا يعلم بمكانه أحد، ثم أمر به فرمى من أعلاه فتقطّع، فذكرته العرب فى أشعارها، فمن ذلك قول سليط بن سعد:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار (٣)

قوله: جزى بنوه أبا الغيلان: أعاد الهاء إلى المفعول وهى متّصلة بالفاعل، وكلاهما فى رتبته، كقولك: ضرب غلامه زيدا، ولم يجز ذلك أحد من النحويين لأن رتبة الضّمير التأخير عن مظهره، فإذا تقدّم المضمر على مظهره لفظا/ومعنى، لم يجز أن ينوى به غير رتبته، واستعماله فى الشّعر من أقبح الضّرورات (٤)، فأما قول الآخر (٥):


(١) المصانع: جمع مصنعة ومصنع، وهو شبه الصّهريج يجمع فيه ماء المطر، وهى أيضا ما يصنعه الناس من الآبار والأبنية. وقال عبد الرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن: القصور العالية. اللسان (صنع) وفتح القدير للشوكانى ٤/ ١١٠.
(٢) حديثه فى الحيوان ١/ ٢٣، والأغانى ٢/ ١٤٥، وتاريخ الطبرى ٢/ ٦٥، وثمار القلوب ص ١٣٩، ومجمع الأمثال ١/ ١٥٩، ومعجم البلدان ٢/ ٤٩١ (الخورنق).
(٣) شرح ابن عقيل ١/ ٤٢٢، وشرح الأشمونى ٢/ ٥٩، وشرح الشواهد الكبرى ٢/ ٤٩٥، والهمع ١/ ٦٦، والخزانة ١/ ٢٨٠،٢٩٣،٢٩٤.
(٤) وهو على قبحه أجازه الأخفش، وابن جنى، وأبو عبد الله الطّوال من الكوفيين، وابن مالك، كما فى المراجع المذكورة، والخصائص ١/ ٢٩٤.
(٥) أبو الأسود الدؤلى، أو النابغة الذبيانى، أبو عبد الله بن همارق بن غطفان. مستدرك ديوان أبى الأسود ص ١٢٤، وديوان النابغة ص ٢١٤، والفاخر ص ٢٣٠، والخصائص ١/ ٢٩٤، وشرح الجمل ٢/ ١٤، وضرائر الشعر ص ٢٠٩، والخزانة ١/ ٢٧٧. والرواية فى ديوان النابغة: -