للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لجلسائه: هل رأيتم مثل هذا المنظر والمسمع؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجّة، والمضىّ على أدب الحقّ ومنهاجه، فقال له: أيّها الملك، قد سألت عن أمر أفتأذن فى الجواب عنه؟ قال: نعم، قال: أرأيت هذا الذى أنت فيه، أشيء لم تزل فيه، أم شيء صار إليك ممّن كان قبلك وهو زائل عنك، وصائر إلى من بعدك؟ فقال: بل هو شيء صار إلىّ ممّن كان قبلى، وسيزول عنّى إلى من يكون بعدى، قال: فأراك إنما أعجبت بشىء تكون فيه قليلا، وتغيب عنه طويلا، وتكون [غدا (١)] بحسابه مرتهنا، فقال: ويحك! فكيف المخلص؟ قال: إما أن تقيم فى ملكك، وتعمل فيه بطاعة الله على ما ساءك وسرّك، وإما أن تضع تاجك وتخلع (٢) لباسك، وتلبس أمساحا، وتعبد الله فى جبل/حتى يأتيك أجلك، قال:

فإذا كان السّحر فاقرع علىّ الباب، فإنّى مختار أحد الرأيين، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا تعصى، وإن اخترت السّياحة فى الفلوات والقفار والجبال كنت رفيقا لا تخالف، فقرع عليه بابه عند السّحر فإذا هو قد وضع تاجه ولباسه، وتهيّأ للسّياحة، فلزما جبلا يعبدان الله فيه حتى أتتهما آجالهما.

وقوله: «ثم بعد الفلاح والملك والإمّة» الفلاح: البقاء، والإمّة: النّعمة.

وقوله: «ثم أضحوا كأنّهم ورق جفّ» روى بعض الرواة: جفّ، أى يابس.

وقوله: «فألوت به الصّبا» أى ذهبت به.

وقوله: «فلا وان ضعيف ولا أكبّ عثور» الوانى: الفاتر، ومنه قوله تعالى:

{وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي} (٣). والأكبّ: من الانكباب، والعثور هاهنا: المخطئ فى رأيه.


(١) زيادة من الأغانى ٢/ ١٣٨.
(٢) فى الأغانى: وتخلع أطمارك، وتلبس أمساحك، وتعبد ربّك حتى يأتيك أجلك.
(٣) سورة طه ٤٢.