للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل فى علّة ذلك قولان: أحدهما أنهم حملوه على منع، لأن الإباء والمنع نظيران، فحملوه على نظيره، كما حملوا يذر (١) على يدع، لاتّفاقهما فى المعنى، وإن لم يكن فى يذر حرف حلقىّ.

والقول الآخر: أنهم أجروا الألف مجرى الهمزة، لأنها من مخرجها، فقالوا:

أبى يأبى، كما قالوا: بدأ يبدأ، والقول الأول أصحّ، لأن ألفات الأفعال لسن بأصول، وإنما هنّ منقلبات عن ياء أو واو، وألف «يأبى» إنما وجدت بعد وجود الفتحة الملاصقة لها، فلولا الفتحة لم تصر الياء ألفا، والفتحة فى يمنع ويبدأ ويجبه، ونحو ذلك إنما حدثت بعد وجود حرف الحلق.

وقال بعض النحويّين: إنما فتحوا عين يأبى على سبيل الغلط، توهّموا أن ماضيه على فعل، وعوّل أبو القاسم الثّمانينيّ على هذا القول، والصواب ما ذكرته أوّلا.

وقد حكيت حروف أخر (٢) متأوّلة، وهنّ سلا يسلى، وقلى يقلى، وغسا الليل يغسا، وجبا يجبا، من قولهم: جبا الخراج يجباه، ووجه تأوّلها أن بعض العرب قالوا/سلى يسلى، مثل رضى يرضى، وقال آخرون: سلا يسلو، مثل خلا يخلو، فركّبت (٣) طائفة ثالثة من اللغتين لغة ثالثة، وأخذوا الماضى من لغة من قال:

سلا، والمستقبل من لغة من قال: يسلى، قال رؤبة (٤):

لو أشرب السّلوان ما سليت ... ما بى غنى عنك وإن غنيت

السّلوان: جمع سلوانة، وهى خرزة كانوا يقولون: من شرب عليها سلا، قال آخر:

شربت على سلوانة ماء مزنة ... فلا وجديد العيش يا ميّ ما أسلو (٥)


(١) راجع كتاب الشعر ص ١٦٤، والمقتضب ٣/ ٣٨٠.
(٢) راجع الموضع السابق من ليس فى كلام العرب، وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم. القسم الثانى من الجزء الثانى ص ١١٩، ورحم الله مصنّفه رحمة واسعة.
(٣) راجع الخصائص ١/ ٣٧٦ (باب تركّب اللغات).
(٤) ديوانه ص ٢٥،٢٦، واللسان (سلا). والبيت الأول فى المقاييس ٣/ ٩٢ من غير نسبة.
(٥) البيت من غير نسبة فى الموضع السابق من المقاييس واللسان.