للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويزيدك وضوحا فى أن معنى الرفع كمعنى النّصب، وأن الفعل فى كلا الوجهين محمول على معنى الصّرف، قول الزجّاج (١): إنّ معنى لا تعد عيناك عنهم: لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوى الهيئات والزينة، وذلك أن جماعة من عظماء المشركين قالوا للنبى عليه السلام: باعد عنك هؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وهم موال وليسوا بأشراف، لنجالسك ونفهم عنك، يعنون خبّابا وصهيبا وعمّارا وسلمان وبلالا، ومن أشبههم، فأمره الله أن يجعل إقباله على المؤمنين، ويلزم/نفسه مجالستهم، ولا يلتفت إلى قول من سوّل له مباعدتهم بقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} ومعنى أغفلنا قلبه: وجدناه غافلا (٢)، كقولك: لقيت فلانا فأحمدته، أى وجدته محمودا. وقال عمرو بن معديكرب لبنى الحارث بن كعب:

«والله (٣) لقد سألناكم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما أجبنّاكم، وهاجيناكم فما أفحمناكم» أى ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين.

وقوله: {وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} قال المفسّرون: سرفا، وقال بعضهم: سرفا وتضييعا، وقال أبو عبيدة (٤): ندما، وقال ابن قتيبة كقول أبى عبيدة، وقال: أصله العجلة والسّبق، يقال: فرط منه قول قبيح: أى سبق، ومنه فرس فرط: أى متقدّم للخيل.


(١) معانى القرآن ٣/ ٢٨١.
(٢) بهامش الأصل: «قال شيخنا الإمام العلامة جمال الدين بن هشام، أبقاه الله سبحانه: هذه المقالة، أعنى كون «أغفلنا» بمعنى وجدناه غافلا، تقدّمه إليها ابن جنى، نصّ عليها فى المحتسب وغيره، وحامله عليها الاعتزال. من خطّ تلميذ ابن هشام» انتهى. قلت: وابن هشام يشير إلى قاعدة المعتزلة المعروفة: أن الله لا يخلق فعل الضلال والمعصية، وإنما ذلك من فعل العبد. وانظر كلام ابن جنى المشار إليه فى المحتسب ٢/ ٢٨، وقد انتصر لهذه المقالة بكلام عال نفيس، فى الخصائص ٣/ ٢٥٣ - ٢٥٥ وانظر أيضا الكشاف ٢/ ٤٨٢، والبحر المحيط ٦/ ١١٩، واللسان (غفل).
(٣) أعاده ابن الشجرى فى المجلس الحادى والثلاثين. وانظره أيضا فى إصلاح المنطق ص ٢٥٠، وأدب الكاتب ص ٤٤٧، والروض الأنف ٢/ ١٥٠، وتفسير القرطبى ١٠/ ٣٩٢، والموضع السابق من المحتسب.
(٤) الذى فى مجاز القرآن لأبى عبيدة ١/ ٣٩٨: «سرفا وتضييعا». وكأنّ ابن الشجرى ينقل كلام أبى عبيدة من طريق ابن قتيبة، فهو الذى حكى عن أبى عبيدة «ندما» راجع تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص ٢٦٦.