للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشبيه بهذا وضع الجارّ فى موضع الجارّ، لاتفاق الفعلين فى المعنى، كقوله تعالى:

{مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (١) والجارى على ألسنتهم: ظفرت به، وأظفرنى الله به، ولكن جاء أظفركم عليهم، محمولا على أظهركم عليهم (٢).

ومن (٣) زعم أنه كان حقّ الكلام: «لا تعد عينيك عنهم» لأن «تعدو» متعدّ بنفسه، فليس قوله بشىء، لأنّ عدوت وجاوزت بمعنى، وأنت لا تقول: جاوز فلان عينيه عن فلان، ولو جاءت التّلاوة (٤) بنصب العينين، لكان اللفظ بنصبهما محمولا أيضا على: لا تصرف عينيك عنهم، وإذا كان كذلك فالذى وردت به التلاوة من رفع العينين يئول إلى معنى النّصب فيهما، إذ كان {لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم، ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم: لا تصرف عينيك عنهم، فالفعل مسند إلى العينين وهو فى الحقيقة موجّه إلى النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، كما قال: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ} (٥) فأسند الإعجاب إلى الأموال، والمعنى لا تعجب يا محمد بأموالهم. فتبيّن ما ذكرته فى هذا الفصل، فإذا عرفته عرفت جهل الذى زعم أنه كان حقّ العينين فى الآية النصب.


= وزدت «به» الأخيرة منه. وقد حكى البغدادىّ كلام ابن الشجرى هذا بشىء من التصرف. الخزانة ٨/ ١٩٨.
(١) سورة الفتح ٢٤.
(٢) حكى ابن الجوزىّ فى زاد المسير ٧/ ٤٣٩: «ظفرت بفلان، وظفرت عليه»، وهو فى اللسان (ظفر) عن الأخفش، فلا حمل إذن، وإنما الفعل يتعدّى بالباء، كما يتعدّى بعلى.
(٣) من هنا إلى آخر الفقرة حكاه الزركشى فى البرهان ٣/ ٣٤٠، عن ابن الشجرى، وحكى معظمه القرطبى ١٠/ ٣٩١، دون عزو.
(٤) جاءت فى الشواذّ. قرأ الحسن: «ولا تعد عينيك» بضمّ التاء وسكون العين وكسر الدال المخففة. قال ابن جنى: «هذا منقول من: عدت عيناك، أى جاوزتا، من قولهم: جاء القوم عدا زيدا، أى جاوز بعضهم زيدا، ثم نقل إلى أعديت عينى عن كذا، أى صرفتها عنه». وقرئ أيضا فى الشواذّ عن عيسى والحسن وَلا تَعْدُ بالتشديد. المحتسب ٢/ ٢٧، ومختصر فى شواذ القراءات ص ٧٩، وتفسير القرطبى.
(٥) سورة التوبة ٥٥، وانظر أيضا الآية ٨٥