للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤدّى إلى إحمائها، فأجرى {يُحْمى عَلَيْها} مجرى يوقد عليها، والمعنى تحمى هى.

ومن ذلك تعدية «يخالف» بعن في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (١) وهو فى قولك: خالفت زيدا، غير مفتقر إلى التعدّى بالجارّ، وإنما جاء محمولا على ينحرفون عن أمره، أو يروغون (٢) عن أمره.

ومثله تعدية «رحيم» بالباء فى نحو: {وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (٣) حملا على رءوف فى نحو {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} (٤) ألا ترى أنك تقول: رأفت به، ولا تقول: رحمت به، ولكنه لمّا وافقه فى المعنى نزّل منزلته فى التعدية، ومن هذا الضرب قول أبى كبير الهذلىّ:

/حملت به فى ليلة مزءودة ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل (٥)

عدّى «حملت» بالباء، وحقّه أن (٦) يصل إلى المفعول بنفسه، كما جاء فى التنزيل: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً} (٧) [ولكنه (٨) قال: حملت به، لأنه فى معنى: حبلت به]


(١) سورة النور ٦٣، وذهب أبو عبيدة والأخفش إلى أن «عن» فى الآية زائدة. وقال الخليل وسيبويه: ليست بزائدة. والمعنى: يخالفون بعد أمره. انظر مجاز القرآن ٢/ ٦٩، وتفسير القرطبى ١٢/ ٣٢٣، وذهب ابن هشام إلى ما ذهب إليه ابن الشجرى. راجع المغنى ص ٣٢١،٥٧٥، ومجىء «عن» بمعنى «بعد» ذكره المصنف فى المجلس المتمّ السبعين، وساق له شواهد كثيرة، لكنه لم يذكر فيها هذه الآية الكريمة.
(٢) بهامش الأصل: «أو يزيغون» وبجانبها «صح». وما فى هذا الهامش مثله فى تفسير القرطبى. وقد رجّحت أن القرطبىّ نقل عن ابن الشجرى، أو أن الاثنين نقلا عن مصدر واحد لم يذكراه.
(٣) سورة الأحزاب ٤٣.
(٤) سورة التوبة ١٢٨.
(٥) شرح أشعار الهذليين ص ١٠٧٢، وتخريجه فى ص ١٤٨٥، وزد عليه: الصاهل والشاحج ص ٢٦١، وتفسير القرطبى.
(٦) فى هـ‍: «وحقه يصل» بإسقاط «أن» وضبط «يصل» بالرفع، وهو صحيح على حدّ قول جرير: «وحقك تنفى من المسجد» راجع كتاب الشعر ص ٤٠٢.
(٧) سورة الأحقاف ١٥.
(٨) مكان هذا فى هـ‍: «ولكنه قال حملت به» فقط. وما فى الأصل جاء مثله فى تفسير القرطبى، -