للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الآخر الذى ذكره أبو علىّ هو قول المورّج السّدوسىّ، وذلك حمل الشّراب على الخمر، ومفعول الإنفاد على هذا القول محذوف، أى قبل إنفادها عقولهم، والفاعل فى القول الأول هو المحذوف، أى قبل إنفاد الشّراب عقولهم، لأن فاعل المصدر يحذف كثيرا.

/فإن قيل: ما وجه التّمدّح بإنفاد خمرهم قبل نفاد عقولهم؟

فالجواب: أنهم يمدحون ويتمدّحون بكثرة شرب الخمر، فيقولون: رجل خمّير وشرّيب، كما قال (١):

شرّيب خمر مسعر لحروب

وإنما بنوه على فعّيل، لأنه من أبنية التّكثير، ومثله: رجل سكّيت: كثير السّكوت، وإذا لم يكد يسكر شارب الخمر دلّ ذلك على إدمان شربها، وبذلك مدح المتنبى سيف الدّولة فى قوله (٢):

تعجّبت المدام وقد حساها ... فلم يسكر وجاد فما أفاقا

ومدح آخر فقال (٣):

مرتك ابن إبراهيم صافية الخمر ... وهنّئتها من شارب مسكر السّكر

قال أبو علىّ: ويجوز أن يكون جعل «المخضّب (٤)» للرجل، لأنك تقول: رجل مخضوب: إذا خضبت يده، كما تقول: مقطوع: إذا قطعت يده، فتقول على هذا: رجل مخضّب: إذا خضّبت يده، ويقوّى ذلك قول الشاعر:


(١) حسان بن ثابت رضى الله عنه. وقيل غيره. ديوانه ١/ ٤١٠، والهمع ٢/ ٩٧. وصدر البيت: لا تنفرى يا ناق منه فإنه
(٢) ديوان المتنبى ٢/ ٣٠١.
(٣) ديوانه ٢/ ١٣٧، والممدوح هو: على بن إبراهيم التنوخى. شرح الواحدى ص ١٣٥،١٣٦.
(٤) فى بعض نسخ التكملة زيادة «صفة». فجاءت العبارة هكذا: «جعل المخضّب صفة للرجل».