للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: إن «دارا» اسم غير وصف، فكيف انتصب على الحال، ومن شرائط الحال الاشتقاق، لأنها صفة معنويّة، ومن شرط الصفة أن تكون مشتقّة.

فالجواب: أنهم قد استعملوا أسماء لست بأوصاف أحوالا، فمن ذلك فى التنزيل قوله تعالى: {هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً} (١) وقولهم: «هذا بسرا أطيب منه رطبا (٢)» وقولهم: «العجب من برّ مررنا به قبل قفيزا بدرهم (٣)» قال أبو علىّ: وهذا من طريق القياس بيّن أيضا، لأن الحال إنما هى زيادة فى الخبر، فكما أن الخبر يكون تارة اسما وتارة وصفا، فكذلك الزيادة عليه.

وأقول: إن هذه الأسماء التى استعملوها أحوالا، لا بدّ لها من تأويل يدخلها فى حيّز المشتق، كما قالوا: «مررت بقاع عرفج كلّه (٤)»، لأنهم ذهبوا به مذهب خشن كلّه، وقوله تعالى حاكيا عن صالح عليه السلام: {هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً} أراد علامة دالّة على أنى نبىّ، وقولهم: «هذا بسرا أطيب منه رطبا» تقديره: هذا إذا كان صلبا أطيب منه إذا كان ليّنا، وقولهم: «العجب من برّ مررنا به قبل قفيزا بدرهم» أى مقدّرا ثمانية مكاكيك بدرهم، وكذلك نصب «دارا» على الحال، لأنه ذهب بها مذهب المسكن والمنزل.


(١) سورة الأعراف ٧٣، وهود ٦٤، وأجاز أبو البركات الأنبارى فى نصب «آية» وجها ثانيا، قال: «والثانى أن يكون منصوبا على التمييز، أى هذه ناقة الله لكم من جملة الآيات». البيان ٢/ ١٩.
(٢) الكتاب ١/ ٤٠٠، والأصول ١/ ٢٢٠،٢/ ٣٥٩، وشرح المفصل ٢/ ٦٠.
(٣) الكتاب ١/ ٣٩٦، والمقتضب ٣/ ٢٥٨.
(٤) ضبطت لام «كلّه» فى الأصل بالفتح؛ كأنه توهّمه حالا لمجيئه فى سياق الكلام على الأحوال، والصواب الرفع، ذكر ابن جنى فى (باب فى الاستخلاص من الأعلام معانى الأوصاف) من الخصائص ٣/ ٢٧٢ «مررت برجل صوف تكّته، أى خشنة، ونظرت إلى رجل خزّ قميصه، أى ناعم، ومررت بقاع عرفج كلّه، أى جاف وخشن. وإن جعلت (كله) توكيدا لما فى (عرفج) من الضمير، فالحال واحدة، لأنه لم يتضمن الضمير إلاّ لما فيه من معنى الصفة». وانظر الإيضاح ١/ ٣٨، والكتاب ٢/ ٢٤،٢٧، والخصائص أيضا ١/ ١٢٢، وشرح الكافية الشافية ص ٣٤١ والتنظير هنا لتأويل الجامد بالمشتق.