للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و «هرقل» غير مصروف للتعريف والعجمة، وهو اسم ملك الرّوم، وكان وفد عليه سيف يستنصره على الحبشة، فشاور فى ذلك وزراءه، فقالوا له: إن الحبشة على دينك، وهذا دينه مخالف لدينك، فوعده ومطله سنين، فلما يئس منه رجع إلى الحيرة، فصار إلى ملك من ملوك فارس، /وهو هرمز بن قباذ، فبعث معه جندا، فأمّر عليهم إسوارا من أكابر أساورته يقال له: وهرز، وكان قد أتى عليه مائة وعشرون سنة، وسقط حاجباه على عينيه، فساروا فى البحر فى عشر سفائن، فغرق منها ثلاث، وأرفئوا ما بقى منها إلى ساحل عدن، وتسامعت بهم الحبشة، فاجتمعوا إلى ملكهم مسروق بن أبرهة، واستعدّوا لقتالهم، وخرج مسروق على فيل، وعلى رأسه تاج من ذهب، وبين عينيه ياقوته حمراء، وانضمّ إلى سيف جمع كثير من أهل اليمن، والتقوا فاقتتلوا مليّا، فقال وهرز: على أىّ الدوابّ ملكهم؟ فقالوا: على الفيل، فقاتلهم ساعة، فقالوا له: قد تحوّل إلى فرس، فقاتلهم ساعة، فقالوا له:

قد تحوّل إلى بغل، فقال (١): ابن الحمار! ذلّ الأسود وذلّ ملكه، ثم قال: اسمتوا لى سمته، فلما استقرّ بصره عليه، وقد رفع حاجبيه عن عينيه، أخذ قوسه ولم يكن أحد يوترها غيره، وسدّد إليه سهما، وقال: إنى راميه رمية، فإن أكبّت عليه الحبشة ولم يتفرّقوا، فاحملوا عليهم فإنى قد قتلته، وإن أكبّوا عليه ثم تفرّقوا، فلا تبرحوا مكانكم.

ثم نزع فى قوسه فرماه ففلق الياقوتة، وتغلغل السهم فى رأسه، فخرّ لوجهه، فأكبّت عليه الحبشة ولم يتفرّقوا، فحملت الفرس عليهم، فقتلوا من أدركوه منهم وانهزم الباقون، فكان الرجل منهم يأخذ العود، فيضعه فى فيه يستأمن به، ويدخل النفر منهم [إلى (٢)] الحائط أو الدار، فتقتلهم النساء والصّبيان، حتى أتى على آخرهم.


(١) فى تاريخ الطبرى ٢/ ٤١ «ابنة الحمار»، وفى سيرة ابن هشام ١/ ٦٤: بنت الحمار.
(٢) ليس فى هـ‍.