للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جمعت وفحشا غيبة ونميمة (١)

أراد: جمعت غيبة ونميمة وفحشا، فقدّم المعطوف على المعطوف عليه، ولا يجوز تقديم التابع على المتبوع للضّرورة إلا فى العطف، دون الصّفة والتوكيد والبدل، فلو قلت: ضربت رأسه زيدا، وأكلت كلّه الرغيف، لم يجز، وأشدّ من هذا فى الامتناع أن تقول: رأيت (٢) أجمعين القوم، لأنك أوليت «أجمعين» العامل، والعرب لم تستعمله إلا تابعا، وكذلك لا يجوز: مررت بالطويل زيد، على أن تجعل الطويل صفة لزيد، ولكن إن أردت: مررت بالرجل الطويل، فحذفت الموصوف/وأبدلت زيدا من الصّفة، جاز على قبح، لأن حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه مما شدّد فيه سيبويه (٣)، وإن كان قد ورد ذلك فى الاستعمال على شذوذه (٤)، كقوله تعالى:

{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} (٥) أى العبد الشّكور، وكقوله: {أَنِ اِعْمَلْ سابِغاتٍ} (٦) أى دروعا سابغات، وكقوله: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (٧) أى الأمّة القيّمة.

وإنما جاز فى الضّرورة تقديم المعطوف على المعطوف عليه، ولم يجز ذلك فى الصفة والتوكيد والبدل، لأن المعطوف (٨) غير المعطوف عليه، والصّفة هى الموصوف،


(١) راجع الكلام عليه فى الخصائص ٢/ ٣٨٣، وضرائر الشعر ص ٢١٠، والتصريح على التوضيح ١/ ٣٤٤،٢/ ١٣٧، وشرح الأشمونى ٢/ ١٣٧، والهمع ١/ ٢٢٠، والخزانة ٣/ ١٣٠،٩/ ١٤١.
(٢) فى هـ‍: لقيت.
(٣) الكتاب ٢/ ١١٥،٣٤٥.
(٤) فى هـ‍: «شذوذ» وتعبيره بالشذوذ فى الاستعمال القرآنىّ فيه نظر، ولم أجد فيما بين يدىّ من كتب النحو من قبح حذف الموصوف، وقد أجازوه بشرط وجود الدليل عليه، وشروط أخرى. وابن الشجرى نفسه قد استشهد لحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، بشواهد كثيرة فى المجلس التاسع والثلاثين، وأيضا فى المجالس: المتمّ الستين، والرابع والستين، والتاسع والستين، ولم يصفه هناك بقبح أو شذوذ كصنيعه هنا. وانظر المغنى ص ٧٢٨، وشرح ابن عقيل ٢/ ١٦٢، وشرح الأشمونى ٢/ ٧٠، والتصريح على التوضيح ٢/ ١١٨، وعبارته: «ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم». والهمع ٢/ ١٢٠.
(٥) سورة سبأ ١٣.
(٦) سورة سبأ ١١.
(٧) الآية الخامسة من سورة البينة.
(٨) فى هـ‍: «لأن غير المعطوف عليه. . .» وغيره ناشر الطبعة الهندية إلى «لأنه»، وهو فاسد أيضا.