للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قول المتنبى (١):

يعطى فلا مطله يكدّرها ... بها ولا منّه ينكّدها

أراد: فلا مطله بها، فلمّا فصل بالأجنبىّ، بين المصدر والباء، أضمر للباء ما تتعلّق به، بعد قوله: يكدّرها، وتقديره: لا يمطل بها، ومن هذا الضّرب فى التنزيل: {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ} (٢) المعنى: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر، ولمّا فصل خبر إنّ بين المصدر الذى هو الرّجع، وبين الظّرف، بطل (٣) عمله فيه، فلزم إضمار ناصب من لفظ الرّجع، فكأنه قيل:

يرجعه يوم تبلى السرائر.

والمطل بإنجاز الوعد، مأخوذ من قولهم: مطلت الحديدة: إذا ضربتها بالميقعة لتطول، وشبّهوا بذلك إطالة العدات، والمنّ بالنّعمة: التّقريع بها.

وكلّ ما خرج إلى طالبه بشدّة فهو نكد، وقوله عزّ من قائل: {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً} (٤) قيل معناه: قليلا عسيرا.

والهاءات من قوله: يكدّرها وينكّدها، عائدة على الأيادى من قوله:


= كتابه شرح بانت سعاد ص ٩٤، حيث قال بعد أن أنشد البيت: «وأمره منتصب بقضائه محذوفا مبدلا من قضائه المذكور، ولا ينتصب بالمذكور؛ لأن الباء ومجرورها متعلقان بينتظرن، ولا يفصل المصدر من معموله». انتهى كلامه. وواضح أن هذا الكلام الأخير يرجع إلى كلام ابن الشجرى، والفرق بينهما أن ابن الشجرى يقدّر المحذوف أو المضمر «يقضى» وابن هشام يقدّره «قضاء».
(١) ديوانه بالشرح المنسوب إلى العكبرى ١/ ٣٠٤، وفيه كلام ابن الشجرى بحروفه، من غير عزو.
(٢) سورة الطارق ٨،٩.
(٣) ممن قال بعدم بطلان العمل، وأن «يوم تبلى» منصوب برجعه: الزمخشرىّ، وردّه عليه ابن هشام. راجع الكشاف ٤/ ٢٤١، والمغنى ص ٥٩٥، والبيان ٢/ ٥٠٧، وما ذهب إليه ابن الشجرى من أن التقدير: «يرجعه يوم تبلى السرائر» سبق إليه ابن جنى فى الخصائص ٢/ ٤٠٢.
(٤) سورة الأعراف ٥٨.