للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له أياد إلىّ سابقة (١)

وليس يريد بقوله: «فلا مطله يكدّرها» وقوله: «ولا منّه ينكّدها» أن له مطلا لا يكدّر، ومنّا لا ينكّد، وإنما أراد انتفاء المطل والمنّ عنه ألبتّة، ومن هذا الضّرب قول امرئ القيس (٢):

على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا

لم يرد أن فيه (٣) منارا لا يهتدى به، ولكنّه نفى أن يكون به منار، والمعنى لا منار فيه فيهتدى به، ومنه قول الآخر فى وصف مفازة:

لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الضّبّ بها ينجحر (٤)

/لم يرد أنّ بها أرانب لا تفزعها أهوالها، ولا ضبابا غير منجحرة، ولكنه نفى أن يكون بها حيوان.

فحقيقة المعنى أنها أياد لا يكدّرها مطل، ولا ينكّدها منّ.

وقول امرئ القيس: «على لاحب»: أى على طريق واضح، ويقال له: لحب أيضا، والمنار: جمع منارة، وأصلها منورة، مفعلة من النّور، وسمّيت بذلك لأنها فى الأصل: كلّ مرتفع عليه نار، ولذلك قالوا فى جمعها: مناور.


(١) تمامه: أعدّ منها ولا أعدّدها
(٢) ديوانه ص ٦٦، والخصائص ٣/ ١٦٥،٣٢١، والخزانة ١٠/ ١٩٣. وهذا الضّرب من البيان قائم على أن العرب قد تنفى عن شيء صفة ما، والمراد نفى ذلك الشىء أصلا. ويسمّيه ضياء الدين بن الأثير: عكس الظاهر، وهو نفى الشىء بإثباته. انظر المثل السائر ٢/ ٢٥٧. وقد كشفه أبو الفتح بن جنى، فى الموضع المذكور من الخصائص، وانظر أيضا أمثلة له فى الكامل ١/ ٣٣٥، والكشاف ١/ ٤٧٠، فى تفسير الآية (١٥١) من سورة آل عمران، ومنال الطالب صفحات ١١٢،٢١٥، ٤٢٤. وشرح الحماسة ص ١٢٠، والبيان والتبيين ١/ ٢٨٥، والإنصاف لابن السيّد ص ١١٨.
(٣) فى هـ‍ «فيها».
(٤) البيت لعمرو بن أحمر، وهو فى ديوانه ص ٦٧، وتخريجه فى ص ٢٠٠، وزد عليه: شرح المفضليات ص ٥٩، وشرح الحماسة للتبريزى ١/ ١١٥،٢٣٥،٢/ ١٥٨،٣/ ٩٠،٤/ ١٣٣، والمراجع المذكورة من قبل.