للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (١).

/وعلّة ذلك عند النحويين أنّ الحذف لزم النون فى هذا الوجه، حملا لها على التنوين، كأنهم لما ألزموا التنوين الحذف، فى قولهم: مكرمك وضاربه، فلم يقولوا:

مكرمنك ولا ضاربنه، ألزموا النون الحذف، فلم يقولوا: مكرمانك ولا مكرمونك، ولا ضاربانه ولا ضاربونه، قالوا: وإنما لزم حذف التنوين مع الضمير لأنه مماثله، من حيث كان التنوين مما لا ينفصل، كما أن هذا الضمير وضع متّصلا، فلا ينفصل، وكرهوا (٢) الجمع بينه وبين التنوين، كما كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد، كالجمع بين إنّ ولام التوكيد، وبين حرف النداء ولام التعريف، ولمّا كان هذا الضرب [من الضمير (٣)] يلزمه الاتّصال، وكان التنوين يحذف مع الاسم الظاهر حذف جواز، فيقال: ضارب زيد، حذف مع هذا الضمير حذف وجوب، فقيل: ضاربك، ولم يقولوا: ضاربنك، كما قالوا: ضارب زيدا، لأن زيدا ونحوه ممّا وضع منفصلا قائما بنفسه، والكاف ونحوها ممّا وضع متّصلا، لا يقوم بنفسه، ولمّا وجب عندهم حذف التنوين لما ذكروه، حملت النون على التنوين، فألزمت الحذف فى الموضع الذى لزم فيه حذف التنوين.

وأقول: إنّ فى العلّة التى ذكرها النحويّون نظرا، من حيث كان الشّبه العارض بين التنوين والضمير غير مانع من الجمع بينهما، كما لم يمتنع الجمع بين هذا الضمير ونون التوكيد الخفيفة، فى نحو: لا يطغينك مالك، {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ}


(١) الآية السابعة من سورة القصص.
(٢) فى هـ‍: فكرهوا.
(٣) زيادة من هـ‍.