للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لا تبل» وتكلم أيضا على قولهم: «لم أبله» بإلحاق هاء السكت، ثم أورد اعتراضا على دخول هاء السكت فى هذا الموضع، وأجاب عليه، قال: وقد اعترض فى دخول هاء السكت فى «لم أبله» على اللام وهى ساكنة، وهاء السكت لا تدخل إلا على متحرك، لتبين حركته، كقولهم فى عمّ ولم: عمه ولمه؟ وفى كتابى وحسابى: كتابيه وحسابيه، وفى قولهم: اسع وادن: اسعه وادنه، وتدخل على الألف، لأن الألف لخفائها تشبه الحركة، وذلك فى الندبة.

والجواب عن هذا الاعتراض أن لام «أبالى» مكسورة كسرا أصليا، كما ترى، والجازم أوجب حذف الياء منه وحدها، كحذفها فى لم أرام، فحذف الكسرة بعد حذف الياء حذف بغير استحقاق، لأن علم الجزم فى «أبالى» إنما هو حذف يائه، ولما حذفوا الياء ثم أتبعوها الكسرة كان ذلك جزما بغير جزم، فالجزم الثانى غير مستحق، وإذا كان إسكان اللام بغير استحقاق، وكانت الكسرة المحذوفة مقدرة فى اللام، فكأنها موجودة لفظا، وإذا كانت فى تقدير الوجود صارت هاء السكت كأنها دخلت على متحرك، وشبيه هذا، وإن كان بعكسه، تقدير السكون والعمل بمقتضى وجوده، وذلك أن «هلم» مركب من حرف وهو «ها» وفعل وهو «المم» فهمزة الوصل سقطت فى الدرج، والميم الأولى ألقيت ضمتها على اللام، ثم أدغمت فى الثانية بعد تحريك الثانية بالفتح، فصار إلى «ها لم» فلم يعتدوا بضمة اللام، لأنها منقولة إليها من الميم، فنزلت اللام منزلة الساكن، حيث لم تكن ضمتها أصلية، فكأنه التقى ساكنان، فحذفوا ألف حرف التنبيه الذى هو «ها» لما كانت اللام ساكنة تقديرا، فكما حذفوا هذه الألف لسكون مقدر، كذلك أدخلوا هاء السكت على «أبل» لحركة مقدرة أسقطت بغير حق، لأنهم أسقطوها لجزم ثان، فكأنها لذلك موجودة لفظا، وهذا الجواب عن هذا الاعتراض مما استخرجته».

ولعل هذا الذى سقته من كلام ابن الشجرى خير مثال على منهجه فى القياس والاستدلال.

٥١ - حكى ابن الشجرى اختلاف العلماء فى معنى «إن» من قوله تعالى:

{وَلَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ} ثم اختار أن تكون نافية بمعنى «ما».

<<  <  ج: ص:  >  >>