للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو سعيد: وهذا القول لا يصحّ على موضوع أصحابنا، لأنهم يقولون:

عوامل الأسماء لا تدخل على الأفعال، والصحيح عندى أن «لا» الواقعة على الفعل، لا يلزمها التكرير، لأنها جواب يمين، واليمين قد تقع على فعل واحد مجحود، فلا يلزم فيها تكرير «لا» كقولك: والله لا أخرج إلى البصرة، بل لا معنى لتكريرها ويمينك واقعة على شيء واحد.

ووجه آخر أيضا، وهو أن قولك: لا أفعل، نقيض قولك: لأفعلنّ، كقولك فى نفى: والله لأضربنّ زيدا: والله لا أضرب زيدا، فمن حيث لم يجب ضمّ فعل آخر إلى قولك: لأضربنّ، لم يجب ضمّ فعل آخر إلى قولك: لا أضرب، وأيضا فإن الفعل قد ينفى بلم ولن، ولا يلزمهما تكرير، ف‍ «لا» مثلهما فى أنها تنفى الفعل، وإن كانت تختصّ بجواب اليمين.

قال سيبويه (١): اعلم أن «لا» قد تكون فى بعض المواضع هى والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد، وذلك قولهم: أخذته (٢) بلا ذنب، وغضبت من لا شيء، وذهبت بلا عتاد، والمعنى: ذهبت بغير عتاد، ومثل ذلك: أجئتنا بغير شيء؟ أى رائقا، وتقول إذا قلّلت الشىء: ما كان إلاّ كلا شيء، وإنك ولا شيئا سواء، ومن هذا النحو قول الشاعر (٣):

/تركتنى حين لا مال أعيش به ... وحين جنّ زمان الناس أو كلبا


(١) فى الكتاب، الموضع المتقدّم قريبا. وانظر حواشى المقتضب ٤/ ٣٥٨، والمغنى ص ٢٧٠، وأعاد ابن الشجرى الكلام على هذه المسألة فى المجلس السابع والستين. وقد تصرّف فى عبارة سيبويه بعض التصرف.
(٢) بتاء الخطاب، فى هذا واللذين بعده، كما فى الأصل والكتاب.
(٣) هو أبو الطفيل-واسمه عامر بن واثلة-صحابىّ. راجع أسد الغابة ٣/ ١٤٥، والإصابة ٧/ ٢٣١، وتهذيب التهذيب ٥/ ٨٢. والبيت من قصيدة رثى بها أبو الطفيل ابنه. راجع الأغانى ١٥/ ١٥٣، والكتاب ٢/ ٣٠٣، والمسائل المنثورة ص ١٠١، والخزانة ٤/ ٣٩.