للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وزعم قوم من الكوفيين أن «لولا» قد استعملت بمعنى «لم» واحتج بقوله: {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ}، قال: معناه: لم تكن قرية آمنت عند نزول العذاب فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، وكذلك {فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ} وهذا التقدير موافق للمعنى ومباين لأصح الإعرابين، لأن المستثنى بعد النفى يقوى فيه البدل، ويجوز النصب، ولم يأت فى الآيتين إلا النصب.

وقد حكى الزركشى (١) كلام ابن الشجرى ووضحه فقال: «أى فدل على أن الكلام موجب». ثم قال: «وجوابه ما ذكرنا من أن فيه معنى النفى».

وممن ذهب إلى أن «لولا» فى الآيتين بمعنى «لم» ابن فارس والهروى (٢).

وهذا الذى استشكله ابن الشجرى قد ردّه أبو جعفر الطبرى (٣) بقوله:

«فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أن قوله: {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها} بمعنى: فما كانت قرية آمنت، بمعنى الجحود، فكيف نصب (قوم) وقد علمت أن ما قبل الاستثناء إذا كان جحدا، كان ما بعده مرفوعا، وأن الصحيح من كلام العرب: ما قام أحد إلا أخوك، وما خرج أحد إلا أبوك.

قيل: إن ذلك فيما يكون كذلك، إذا كان ما بعد الاستثناء من جنس ما قبله، وذلك أن الأخ من جنس أحد، وكذلك الأب، ولكن لو اختلف الجنسان حتى يكون ما بعد الاستثناء من غير جنس ما قبله، كان الفصيح من كلامهم النصب، وذلك لو قلت: ما بقى فى الدار أحد إلا الوتد. . . لأن الوتد من غير جنس أحد. . . فكذلك نصب (قوم يونس) لأنهم أمة غير الأمم الذين استثنوا منهم، ومن غير جنسهم وشكلهم، وإن كانوا من بنى آدم، وهذا الاستثناء الذى يسميه بعض أهل العربية الاستثناء المنقطع، ولو كان قوم يونس بعض الأمة الذين استثنوا منهم، كان الكلام رفعا، ولكنهم كما وصفت.


(١) البرهان ٤/ ٣٧٩.
(٢) الصاحبى ص ٢٥٤، والأزهية ص ١٧٨.
(٣) تفسيره ١٥/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>