للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الخبر الذى أريد به الدعاء [قولهم (١)]: «غفر الله لك، ورحم الله فلانا، ويرحم الله فلانا» لو كان هذا خبرا على ظاهره، لكنت موجبا لرحمة الله ومغفرته للمدعوّ له، وليس الأمر كذلك، وإنما قصدت الرغبة إلى الله فى إيجاب المغفرة والرحمة له، فمن ذلك فى التنزيل قوله تعالى، حاكيا عن يوسف: {يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ} (٢) ومنه قول الشاعر (٣):

ويرحم الله عبدا قال آمينا

وقول الآخر (٤):

أجمعت خلّتى مع الهجر بينا ... جلّل الله ذلك الوجه زينا

والقسم ضرب من الخبر، كقولك: أقسم بالله لأفعلنّ، وليمن الله لأذهبنّ، ولعمرك لأنطلقنّ، وقد استعملوه مجرّدا من ألفاظ الأيمان، كقولهم: علم الله لقد كان ذلك، ويعلم الله ما كان ذلك، واختلف النحويون فى قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} (٥) فذهب أبو العباس المبرّد إلى أن قوله: {تُؤْمِنُونَ} {وَتُجاهِدُونَ} معناه:

آمنوا وجاهدوا، واستدلّ بالجزم فى قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ} {وَيُدْخِلْكُمْ} (٦) لأنه جواب


(١) ليس فى هـ‍.
(٢) سورة يوسف ٩٢.
(٣) مجنون بنى عامر. ديوانه ص ٢٨٣، وصدر البيت: يا رب لا تسلبنى حبّها أبدا وأعاد ابن الشجرى موضع الشاهد فى المجلس الرابع والأربعين. وانظر معجم الشواهد ص ٣٨٣.
(٤) لم أعرفه.
(٥) سورة الصف ١٠،١١.
(٦) لم يذهب المبرّد هذا المذهب، إنما جعل تُؤْمِنُونَ بيانا للتجارة، ويَغْفِرْ مجزوم، على أنه جواب الاستفهام، وهو الوجه الثانى الذى عزاه ابن الشجرى إلى غير المبرد. راجع المقتضب ٢/ ٨٢، ١٣٥. وممّن نسب إلى المبرّد ما نسبه إليه ابن الشجرىّ: مكّىّ فى مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٧٤، -