للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر، الذى جاء بلفظ الخبر، فهو محمول على المعنى، ودلّ على ذلك أيضا أنه فى حرف (١) عبد الله: (آمنوا وجاهدوا).

وقال غير أبى العباس: {تُؤْمِنُونَ} {وَتُجاهِدُونَ} عطف بيان على ما قبله، كأنه لما قال: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ} لم يدر ما التّجارة، فبيّنها بالإيمان والجهاد، فعلم بذلك أن المراد بها الإيمان والجهاد، فيكون {يَغْفِرْ لَكُمْ} على هذا جواب الاستفهام، فهو محمول على المعنى، لأن المعنى: هل تؤمنون وتجاهدون يغفر لكم، لأن التجارة لمّا بيّنت بالإيمان والجهاد، صار {تُؤْمِنُونَ} {وَتُجاهِدُونَ} كأنهما قد وقعا بعد «هل» فحمل {يَغْفِرْ لَكُمْ} {وَيُدْخِلْكُمْ} على هذا المعنى.

وقال الفرّاء (٢) {يَغْفِرْ} جواب الاستفهام. فإن كان مراده (٣) المعنى الذى ذكرته فهو حسن، وقد كان يجب عليه أن يوضّح مراده، وإن كان أراد أن قوله: {يَغْفِرْ} جواب لظاهر قوله: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ} فذلك غير جائز، لأن الدلالة على الإيمان والجهاد لا تجب بها المغفرة وإدخال الجنات، وإنما يجبان بالقبول (٤) والعمل.

ومما جاء فيه لفظ الخبر بمعنى الإغراء، قول عمر رضوان الله عليه (٥): «أيّها الناس


= وأبو حيان فى البحر ٨/ ٢٦٣، وأفاد ابن الجوزىّ، فى زاد المسير ٨/ ٢٥٤، وابن يعيش، فى شرح المفصل ٧/ ٤٨: أن أبا إسحاق الزجاج هو الذى جعل يَغْفِرْ لَكُمْ جواب قوله تُؤْمِنُونَ وَتُجاهِدُونَ وأن معناه: آمنوا وجاهدوا. والأمر على ما قالا فى إعراب القرآن للزجاج ٥/ ١٦٦. ويبقى أن أنبّه إلى أن سياق ابن الشجرىّ فى إعراب الآية متّفق مع سياق مكّىّ، كأن ابن الشجرىّ ينقل عنه، أو كأن الاثنين ينقلان عن مصدر واحد. وأنّبه أيضا إلى أن نسبة هذا الرأى إلى المبرّد قديمة، فقد قال أبو جعفر النحاس: «وحكى لنا عن محمد بن يزيد أن معنى تؤمنون: آمنوا، على جهة الإلزام. قال أبو العباس: والدليل على ذلك يَغْفِرْ لَكُمْ بالجزم؛ لأنه جواب الأمر» إعراب القرآن ٣/ ٤٢٣.
(١) الحرف هنا: يراد به الوجه من القراءة. وعبد الله هنا: هو ابن مسعود، رضى الله عنه.
(٢) معانى القرآن ٣/ ١٥٤، وتوجيه كلام الفرّاء فى الكشاف ٤/ ١٠٠، وحكاه القرطبىّ فى تفسيره ١٨/ ٨٧.
(٣) هذا التعقّب على الفرّاء ذكره مكّىّ فى الموضع السابق من المشكل. وأصله لأبى على الفارسىّ، راجع المسائل المنثورة ص ١٥٥.
(٤) فى هـ‍: «بالقول» وما فى الأصل مثله فى المشكل.
(٥) غريب الحديث لأبى عبيد ٣/ ٢٤٨، والفائق ٣/ ٢٥٠ - ٢٥٢، والنهاية ٤/ ١٥٨، وتذكرة-