للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد وجدت للنّداء وجوها، أكثرها لا تخرجه عن كونه نداء، فمن ذلك أنّ نداءك لله سبحانه فى قولك: يا الله يا رحمن يا رحيم، إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العلى، يكون خضوعا وتضرّعا وتعظيما. وقد يقتصر على ألفاظ المدح للمدعوّ، إذا كان قصدك تعظيمه، ومرادك مدحه، كقولك: يا سيّد الناس، ويا خير مطلوب إليه، ويا فارس الهيجاء، تريد: أنت سيّد الناس، وأنت خير مطلوب إليه، وأنت فارس الهيجاء، فيكون نداؤه بذلك داخلا فى الخبر، كما يكون نداؤك لله جلّت عظمته، إقرارا منك بالرّبوبيّة [وتعبّدا (١)] وبحسب ذلك يكون النداء ذمّا للمنادى وتقصيرا به، وزريا عليه، كقولك: يا فسق ويا خبث، ويا أبخل الناس، ويا مستحلّ الحرام، وما أشبه هذا، ممّا تقتصر عليه ولا تذكر معه شيئا غيره، كما اقتصرت على نداء الممدوح بما ناديته، فالنّداء فى هذا الوجه/داخل فى حيّز الخبر، وقد ورد النّداء مرادا به الخبر فى شيء من كلامهم، وذلك فى قولهم:

«اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة» قال أبو العباس محمد بن يزيد (٢): معناه أخصّ هذه العصابة.

وقد يكون دعاؤك لمن هو مقبل عليك، ومستغن عن دعائك له، على جهة التوكيد، حتى إن الداعى قد ينادى نفسه وقلبه، كقول القائل (٣):

فيا نفس صبرا لست والله فاعلمى ... بأوّل نفس غاب عنها حبيبها

وكقول الآخر (٤):

فلو يا قلب كنت اليوم حرّا ... زجرت النّفس ويحك عن هواها


(١) ليس فى هـ‍.
(٢) المقتضب ٣/ ٢٩٨، وأصله عند سيبويه ٢/ ٢٣٢، وقد تصرّف ابن الشجرىّ فى عبارة المبرّد. وانظر الأصول ١/ ٣٦٧،٣٧٠، وشرح الكافية ص ١٣٧٤، وشذور الذهب ص ٢٢٢، والمساعد ٢/ ٥٦٥.
(٣) مجنون بنى عامر. ديوانه ص ٦٨.
(٤) لم أعرفه.