للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يوجّه النداء إلى من لم يقصد إسماعه، وذلك إلى غائب تكتب إليه، تتشوّقه أو تمدحه أو تذمّه، كقولك فى مكتوبك: يا زيد، جمع الله بينى وبينك، ويا محمد، ما أكرمك، ويا خالد ما ألأمك، أو تقول لميّت تندبه: يا زيد، ما أجلّ مصيبتنا بفقدك، ويا عبد الله، لقد هدّنا هلكك، غير أنّ أكثر العرب يخالفون بين اللّفظ بالنّدبة، واللفظ بالنّداء، فيجعلون «وا» مكان «يا» ويلحقون آخر الاسم ألفا، فإذا سكتوا ألحقوها هاء ساكنة، كقولك: وا سيّد المسلميناه، وا أمير المؤمنيناه، فاقتصارك على قولك: يا سيّد الناس، ويا فارس الهيجاء، كاقتصارهم على مدح المندوب.

وممّا نادوه مما ليس إسماعه متوهّما، الدّيار والأطلال، كقول النابغة (١):

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد

وكقول امرئ القيس (٢):

ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالى ... وهل ينعمن من كان فى العصر الخالى

وقد ينادون الأوقات، بمعنى الاشتكاء لطولها، أو المدح لها بما نالوا من السّرور /فيها، فمن الاشتكاء لطول الليل قول امرئ القيس (٣):

ألا أيّها اللّيل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل

وقول الأعشى (٤):

وحتى يبيت القوم فى الصّفّ ليلهم ... يقولون أصبح ليل واللّيل عاتم


(١) مطلع أول قصيدة فى ديوانه. وهذا بيت سيّار، وقد أعاده ابن الشجرىّ فى المجلس الرابع والخمسين. وانظر الكتاب ٢/ ٣٢١، وحواشيه.
(٢) ديوانه ص ٢٧.
(٣) ديوانه ص ١٨. وفى هـ‍: «منك بأمثل». وأثبتّ ما فى الأصل، والديوان.
(٤) ديوانه ص ٧٧، وشرح الجمل ٢/ ٨٨، والتصريح ٢/ ١٦٥.