للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجمع، وإذا عرفت هذا فدخول القتال الأول تحت الثانى يقوم مقام عود الضمير إليه، ومثل هذا البيت ما أنشده سيبويه (١):

ألا ليت شعرى هل إلى أم معمر ... سبيل فأما الصّبر عنها فلا صبرا

فالصبر من حيث كان معرفة داخل تحت الصبر المنفىّ، لشياعه بالتنكير، ونظير هذا أنّ قولهم: نعم الرجل زيد، فى قول من رفع زيدا بالابتداء، فأراد: /زيد نعم الرجل، يدخل فيه زيد تحت الرجل، لأن المراد بالرجل هاهنا الجنس، فيستغنى المبتدأ بدخوله تحت الخبر عن عائد إليه من الجملة، ويوضّح لك هذا أن قولك: زيد نعم الرجل، كلام مستقلّ، وقولك: زيد قام الرجل، كلام غير مستقلّ، وإن كان قولك: قام الرجل، جملة من فعل وفاعل، كما أن قولك: نعم الرجل كذلك، ولم يستقم قولك: زيد قام الرجل، حتى تقول: إليه أو معه، أو نحو ذلك، لكون الألف واللام فيه لتعريف العهد، فالمراد به واحد بعينه، والرجل فى قولك: زيد نعم الرجل، بمنزلة الإنسان فى قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} (٢) ألا ترى أنه استثنى منه {الَّذِينَ آمَنُوا} والاستثناء من واحد مستحيل، لا يصحّ إذا استثنيت واحدا من واحد، فكيف إذا استثنيت جمعا من واحد، ومثله: {(وَإِنّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها)} (٣) والمراد بالإنسان هاهنا الناس كافة، فلذلك قال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ}.


(١) الكتاب ١/ ٣٨٦. والبيت من قصيدة لابن ميادة «الرماح بن أبرد» أورد ابن الشجرى منها خمسة أبيات فى المجلس الثامن والسبعين. وانظرها فى الأغانى ٢/ ٢٧٥،٢٧٦، وفى شعره ص ١٣٤، وتخريجها فى ص ١٣٧. وانظر أيضا الجمل المنسوب للخليل ص ٣٧، والمغنى ص ٥٠١، وشرح أبياته ٧/ ٧٨. والبيت أنشده سيبويه شاهدا على نصب «الصبر» على المفعول لأجله، والتقدير: مهما ذكرت شيئا للصبر، ومن أجله فلا صبر لى. وعلى إنشاد ابن الشجرى يكون «الصبر» مرفوعا على الابتداء، والخبر جملة «لا صبرا» وتقديرها: لا صبر لى. والرابط العموم الذى فى «لا» النافية للجنس.
(٢) الآية الثانية والثالثة من سورة العصر، وانظر الزيادة الملحقة بالمجلس الحادى والثلاثين.
(٣) سورة الشورى ٤٨.