للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان الاسم المعرّف بالألف واللام نحو الرجل والإنسان، قد استوعب الجنس، فما ظنّك باسم الجنس المنكور المنفىّ فى قوله: «لا قتال لديكم» وقول الآخر: «فأمّا الصبر عنها فلا صبرا» والتنكير والنفى يتناولان من العموم مالا يتناوله التعريف والإيجاب، ألا ترى أن قولهم: ما أتاني من أحد، وقوله تعالى: {ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ} (١) متناول غاية العموم، ولو حاولت أن تقول: أتانى من أحد، كان ذلك داخلا فى باب استحالة الكلام.

ويشبه ما ذكرته من الاستغناء بدخول الاسم المبتدأ فى اسم العموم الذى بعده، عن عود ضمير إليه من الجملة، تكرير الاسم الظاهر مستغنى به عن ذكر المضمر، وذلك إذا أريد تفخيم الأمر وتعظيمه، كقول عديّ بن زيد:

/لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٢)

واستغنى بإعادة ذكر الموت عن الهاء، لو قال مع صحّة الوزن: يسبقه، ومثله فى التنزيل: {الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ} (٣) {الْقارِعَةُ. مَا الْقارِعَةُ} (٤) {وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ} (٥) فالحاقّة مبتدأ، وقوله: ما الحاقّة: جملة من مبتدأ وخبر خالية من ضمير يعود على المبتدأ؛ لأن تكرير الظاهر أغنى عن الضمير العائد، فالتقدير:

أىّ شيء الحاقة؛ وكذلك: ما القارعة، وما أصحاب اليمين، التقدير فيهما: أىّ شيء القارعة، وأىّ شيء أصحاب اليمين، كما تقول: زيد رجل أىّ رجل، فاستغنى بتكرير الظاهر عن أن يقال: الحاقّة ما هي، والقارعة ما هي، وأصحاب اليمين ما هم. وإنما حسّن تكرير الاسم الظاهر فى هذا النحو، أنّ (٦) تكريره هو الأصل،


(١) سورة الأعراف ٨٠، والعنكبوت ٢٨.
(٢) سبق تخريجه فى المجلس الثانى والثلاثين.
(٣) أول سورة الحاقة.
(٤) أول سورة القارعة.
(٥) سورة الواقعة ٢٧.
(٦) فى مطبوعة الأمالى والأشباه «لأنّ».