للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: قد ألغز فى كلامه هذا، وما وجدت لأحد من مفسّرى كتابه، الذى وسمه بالإيضاح (١)، تفسير هذا الكلام، ولكنهم حادوا عنه إلى تفسير قوله بعد:

«فإنّ الألف احتملت ذلك لزيادة المدّ فيها، واختصاصها بما لا يكون فى الياء والواو، كاختصاصها بالتأسيس، وانفرادها بالرّدف» وأنا بمشيئة الله أكشف لك من غامضه.

فأقول: إن مراده بهذا أنه لا يجوز تخفيف الهمزة بين بين، إلاّ إذا وقعت بعد حرف متحرّك، وذلك فى نحو: سأل ولؤم وسئم (٢)، وإنما لم يجز أن تخفّف بين بين إذا وقعت بعد حرف ساكن، فى نحو: يسأل ويلؤم ويزئر (٣)، مضارع زأر الأسد، لأنها إذا انفتحت جعلتها بين الهمزة والألف، وإذا انضمّت جعلتها بين/الهمزة والواو الساكنة، وإذا انكسرت جعلتها بين الهمزة والياء الساكنة، ولذلك قال سيبويه (٤): ألا ترى أنك لا تتمّ الصّوت هاهنا وتضعّفه، لأنك تقرّبها من الساكن، ولولا ذلك لم يدخل الحرف وهن. انتهى كلامه.

وإذا قرّبتها من الساكن، لم يجز أن تأتى بها بعد حرف ساكن، كما لا يجوز أن تجمع بين ساكنين، فإذا كان الساكن الذى قبل الهمزة ألفا، جاز تخفيفها بعده بين بين، لأن زيادة المدّ الذى فى الألف يقوم مقام الحركة، ولا يكون ذلك فى الواو والياء الساكنتين، فى نحو: مكلوءة (٥) وخطيئة، وساغ فى نحو هباءة؛ لأن الألف أمكن منهما فى المدّ، من حيث (٦) لا يفارق المدّ، والواو والياء يتحرّك ما قبلهما بحركة


(١) معلوم أن «التكملة» هى الجزء الثانى من «الإيضاح».
(٢) راجع سر صناعة الإعراب ص ٤٨.
(٣) ويزأر، أيضا، بفتح الهمزة.
(٤) الكتاب ٣/ ٥٤٢.
(٥) فى المقتضب ١/ ١٦١ «مقروءة».
(٦) هذا من كلام ابن جنى. راجع اللسان (ردف). وسعيد ابن الشجرى هذا الكلام والذى بعده فى المجلس الرابع والستين.