للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما هى حديث عنه وأجنبيّة منه، فالعائد منها يعلّقها به، ولكنهم شبّهوها بالجملة التى تقع وصفا، كما شبّهوا جملة الصّفة بجملة الصّلة، من حيث كانت الصفة توضّح الموصوف كما توضّح الصّلة الموصول، إلا أنّ الموصول يلزمه أن يوصل، والموصوف لا يلزمه أن يوصف.

وإنما حسن وكثر حذف العائد من الصّلة، لأنّ الموصول مع صلته بمنزلة اسم مفرد، فالصّلة منه كبعض أجزاء كلمة، فهى كالفاء والراء من جعفر، فإذا قلت:

الذى أكرمه أخوك زيد، فقد تنزّلت أربعة أشياء منزلة اسم مفرد، وهى الذى والفعل وفاعله ومفعوله، وهو الضمير العائد، فآثروا التخفيف بحذف بعض الأربعة (١)، وكان الضمير أولى بالحذف، لأنّ المفعول فضلة، وقد ورد حذفه فى غير الصّلة كثيرا حسنا، كما أريتك آنفا، فى نحو قوله تعالى: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} (٢) فكان حذفه من الصّلة لهذه العلّة أقوى من حذفه من الصّفة، وحذفه من الصّفة أقوى من حذفه من الخبر.

وأما حذف ياء المتكلم فحسن، لدلالة الكسرة قبلها عليها، وإنما يكون ذلك فى النداء، لأنّ النداء ممّا يكثر فيه الحذف والتغيير، لكثرة استعماله، ألا ترى أنّ المخبر يقدّم النداء على إخباره، فيقول: يا زيد قد كان كذا، وكذلك المستخبر يقول: يا فلان هل زيد عندك؟ وكذلك الآمر والناهى، فلما كثر النداء فى كلامهم جدّا، كثر التغيير فيه بالحذف تخفيفا، ولذلك اختصّ به الترخيم، فإذا ناديت غلامك فأفصح الأوجه فيه أن تقول (٣): يا غلام، فتجتزئ بالكسرة من الياء، ومثله: {يا عِبادِ فَاتَّقُونِ} (٤) و {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ} (٥) والأصل:


(١) راجع ما تقدم فى المجلسين الأول، والرابع عشر.
(٢) سورة والضحى ٣.
(٣) أصل هذا فى الكتاب ٢/ ٢٠٩، والمقتضب ٤/ ٢٤٥.
(٤) سورة الزمر ١٦.
(٥) سورة إبراهيم ٣٦.