للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان النصب ضعيفا، لتخالف الكلامين، ونقيض ذلك قوّة النصب فى قوله تعالى:

{وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً} (١) وذلك لتقدّم جمل فعليّة، فى قوله عز وجل:

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} فلو رفع قارئ ممّن يؤخذ بقراءته فقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ} ساغ الرفع فى العربيّة على ضعف.

وفى قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} (٢) قولان: أحدهما أن تنصب {فَرِيقاً} الأول، على أنه مفعول قدّم على ناصبه، لأن {هَدى} لم يشغل عنه بالعمل فى غيره، وتنصب {فَرِيقاً} الثانى بإضمار فعل، فى معنى قوله: {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} تقديره: وأضلّ فريقا، فعلى هذا القول يكون الوقف على قوله: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (٣) والقول الثانى: أن تنصب فريقا وفريقا، على الحال من المضمر فى {تَعُودُونَ} أى تعودون فريقا مهديّا وفريقا مضلاّ، فعلى هذا القول لا يجوز الوقف على {تَعُودُونَ} لتعلق الحال بما قبلها، ويقوّى هذا القول قراءة (٤) أبىّ بن كعب: «تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة».

/وقوله جلّ وعلا: {يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} (٥) انتصاب (٦) {الظّالِمِينَ} فيه بتقدير حذف «يعذّب» لأن قوله: {أَعَدَّ لَهُمْ}


(١) سورة الإسراء ١٢.
(٢) سورة الأعراف ٣٠، وهذان القولان اللذان ذكرهما ابن الشجرى فى توجيه النصب، أوردهما مكى فى مشكل إعراب القرآن ١/ ٣١١، وكأن ابن الشجرى ينقل عنه، أو كأن الاثنين ينقلان عن مصدر واحد. وأغار أبو البركات الأنبارى على ما ذكره الرجلان، دون عزو، كما هو شأنه فى كتابه البيان ١/ ٣٥٩، وأصل الكلام كله عند الفراء فى معانى القرآن ١/ ٣٧٦، وأيضا ٢٤٠، وانظر الكتاب ١/ ٨٩.
(٣) سورة الأعراف ٢٩.
(٤) راجع معانى القرآن، الموضع السابق. وإيضاح الوقف والابتداء ص ٦٥٣.
(٥) آخر سورة الإنسان.
(٦) هذا الذى ذكره ابن الشجرى كلّه عند مكى فى مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٤٣، مع تغيير يسير فى بعض العبارات. والعجب من ابن الشجرى يحمل على مكى ثم يستاق كلامه-