للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

/والضّرب الثالث من حذف الفعل، حذفه للدلالة عليه، كقولك إذا كنت محذّرا: الأسد الأسد، وكذلك: الطريق الطريق، تريد: خلّ الطريق، وقد أظهر الشاعر هذا الفعل، فى قوله (١):

خلّ الطّريق لمن يبنى المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرّك القدر

ومثله: النّجاء النّجاء، تريد: انج النّجاء، ولا بدّ من تكرير المنصوب إذا حذفت الفعل، فإن أظهرته لم تكرّره، ولكن تقول: انج النّجاء، وخلّ الطريق، واحذر الأسد، وقد يقوم العطف مقام التكرير، كقولهم: «أهلك واللّيل»، فهذا تقديره فى الإعراب: بادر أهلك (٢) وبادر اللّيل، وتقديره فى المعنى: بادر أهلك قبل الليل، ومثله: رأسه والجدار، تقديره فى الإعراب: انطح رأسه والجدار، وفى المعنى: انطح رأسه بالجدار، ومثله فى العطف: {ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها} (٣) أى احذروا ناقة الله وسقياها، وفيه تقدير حذف مضافين، أى احذروا عقر ناقة الله، وقطع سقياها، ومنه قول الحطيئة (٤):

فإيّاكم وحيّة بطن واد ... هموز النّاب ليس لكم بسيّ

قدّره النحويّون: إيّاكم احذروا، كأنه حذّرهم أنفسهم مع الحيّة الذى (٥) وصفه، أى احذروا تسويل أنفسكم عداوة حيّة، من صفته كذا وكذا.


(١) جرير. ديوانه ص ٢١١، وتخريجه فى ص ١٠٦٨، وزد عليه: التصريح ٢/ ١٩٥، وشرح الأشمونى ٣/ ١٩١، و «برزة» هنا: اسم أمّ عمر بن لجأ التيمى. راجع اللسان (برز).
(٢) المنصف ١/ ١٣١ - وتكلم عليه ابن جنى كلاما عاليا-والفصول الخمسون ص ١٩٥.
(٣) سورة الشمس ١٣.
(٤) ديوانه ص ٣٨، والخصائص ٣/ ٢٢٠، والمنصف ٢/ ٢، وشرح الحماسة للمرزوقى ص ٤١٧ وشرح المفصل ٢/ ٨٥، والخزانة ٥/ ٨٦، واللسان (سوا). ويأتى هذا البيت أيضا شاهدا على جرّ «هموز» على الجوار لقوله «واد» وإلاّ فحقّه النصب؛ لأنه صفة لحيّة.
(٥) الحية تذكر وتؤنث. قال الأخطل: إن الفرزدق قد شالت نعامته وعضّه حيّة من قومه ذكر -