للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً} (١).

وزعم بعض (٢) من لا معرفة له بحقائق الإعراب، بل لا معرفة له بجملة الإعراب، أن ارتفاع «الفضل» على المجاورة للمرفوع، فارتكب خطا فاحشا، وإنما الفضل نعت للهلوك على المعنى، لأنها فاعلة من حيث أسند المصدر الذى هو المشى إليها، كقولك: عجبت من ضرب زيد الطويل عمرا، رفعت «الطويل» لأنه وصف لفاعل الضرب، وإن كان مخفوضا فى اللفظ، ولو قلت: عجبت من ضرب زيد الطويل عمرو، فنصبت «الطويل» بأنه نعت لزيد على معناه، من حيث هو مفعول فى المعنى، كان مستقيما، كما عطف الشاعر عليه المنصوب فى قوله:

قد كنت داينت بها حسّانا ... مخافة الإفلاس واللّيّانا (٣)

ومثل ذلك فى العطف قراءة الحسن: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ /أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} (٤) عطف الملائكة والناس على اسم الله، على المعنى، لأنّ التقدير: عليهم أن لعنهم الله (٥).


(١) سورة النور ٦١، قال مكّىّ فى إعراب «تحية»: مصدر؛ لأن «فسلّموا» معناه: فحيّوا. مشكل إعراب القرآن ٢/ ١٢٨.
(٢) أول من قال ذلك الأصمعىّ، وممن ذهب هذا المذهب: ابن قتيبة. انظر التنبيهات على أغاليط الرواة ص ٨٧، والمعانى الكبير ص ٥٤٤، والخزانة ٥/ ١٢،١٠١،١٠٢، وقد أفاد البغدادىّ أن الرفع على المجاورة لم يثبت عند المحققين، وإنما ذهب إليه بعض ضعفة النحويين. وانظر تذكرة النحاة ص ٣٤٧.
(٣) فرغت منه فى المجلس الحادى والثلاثين.
(٤) سورة البقرة ١٦١.
(٥) ذهب ابن جنى فى تقدير الرفع إلى غير هذا، قال: «هذا عندنا مرفوع بفعل مضمر يدلّ عليه قوله سبحانه: فَلَعْنَةُ اللهِ أى وتلعنهم الملائكة والناس أجمعون؛ لأنه إذا قال: عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ فكأنه قال: يا عنهم الله» المحتسب ١/ ١١٦، وذكر الدمياطىّ وجها ثالثا، أن يكون مبتدأ حذف خبره، أى: والملائكة والناس يلعنونهم. الإتحاف ١/ ٤٢٤، وانظر إعراب القرآن للنحاس ١/ ٢٢٦. وقال أبو زكريا الفراء عن قراءة الحسن هذه: «وهو جائز فى العربية، وإن كان مخالفا للكتاب» أى رسم المصحف. معانى القرآن ١/ ٩٦، وقال أبو إسحاق الزجاج: «وهو جيّد فى العربيّة إلاّ أنى أكرهه لمخالفته المصحف، -