للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن قال: سم وسم، لم يعوّض، كما لم يعوّضوا فى أب وأخ ونحوهما.

وخالف الكوفيّون البصريّين فى اشتقاقه، فزعموا أن المحذوف فاؤه، وأخذوه من السّمة (١)، فوزن سم وسم على قولهم: عل وعل، وكذلك اسم: إعل، وأصله وسم أو وسم، قالوا: لأنّ السّمة العلامة، والاسم علامة تدلّ على المسمّى.

وهذا القول صحيح فى المعنى، فاسد من جهة التصريف (٢)، وذلك أنك إذا صغّرته أو كسّرته أو صرّفت منه فعلا، رددت المحذوف منه إلى موضع اللام، ولو كان من السّمة كما زعموا رددت المحذوف إلى موضع الفاء، ألا ترى أنك تقول فى تصغيره: سميّ، وفى تكسيره: أسماء، وفى الفعل منه: سمّيت، ولو كان من السّمة ردّوا المحذوف منه أوّلا، فقالوا: وسيم، وأوسام، ووسمت.

ودليل آخر يسقط ما قالوه، وهو أنك لا تجد فى العربية اسما حذفت فاؤه وعوّض همزة الوصل، وإنما عوّضوا من حذف الفاء تاء التأنيث، فى عدة وزنة وثقة، ونظائرهنّ.

وممّا احتجّوا به على مذهب البصريّين، فى اشتقاقهم الاسم من السّموّ، أنهم قالوا: قد وجدنا من الأسماء أسماء تضع من مسمّياتها كقرد وكلب وجرو، وعوسج وشوك.


(١) الحقّ أن الكوفيين الأوائل لم يقولوا بهذا، وأنهم يتفقون مع البصريين فى أن اشتقاق الاسم من «السموّ». قال أبو القاسم الزجاجى: «أجمع علماء البصريّين، ولا أعلم عن الكوفيين خلافا محصّلا مستندا إلى من يوثق به، أن اشتقاق «اسم» من سموت أسمو: أى علوت، كأنه جعل تنويها بالدلالة على المسمّى لما كان تحته. . . وقد حكى أن بعضهم يذهب إلى أن أصله من «وسمت» كأنه جعل سمة للمسمّى». اشتقاق أسماء الله ص ٢٥٥. وقد حرّر هذه المسألة تحريرا جيدا الدكتور محمد خير الحلوانى رحمه الله، فى كتابه الجيد: الخلاف النحوى ص ٢١٦، وانظر حواشى التبيين عن مذاهب النحويين ص ١٣٢.
(٢) استاق أبو البركات الأنبارىّ حجج ابن الشجرى هذه. راجع الإنصاف ص ٨ وما بعدها، وفى كلامهما معا مشابه من كلام مكىّ فى مشكل إعراب القرآن ١/ ٦٦ - طبعة بغداد.