للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة، وإنما صام صورة؛ ذلك أنَّ الصيام الذي يؤجر عليه صاحبه ما نال صاحبه، من ألم الجوع والظمأ، وفقد المباحات.

أما صائم الدهر: فقد ألفت نفسُه الصيام، واعتادت طبيعته الحرمان، فصار لا يحس بالصيام ولا بما يسببه من الجوع والظمأ، وبهذا فكأنَّه لم يصم، فالحديث إخبار عن حاله.

٢ - على كل حالٍ، فهو مذموم في كلا الأمرين؛ لأنَّه خالف أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأنَّه اختار لنفسه قدرًا من العبادة غير القدر الذي اختاره الله ورسوله.

قال ابن العربي "شارح الترمذي": إنَّ كان دعاء، فيا ويح من دعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان كان خبرًا فيا ويح من أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٣ - فإن قيل: إنَّ صيام الدهر فضيلة؛ لأنَّ النَّبىَّ -صلى الله عليه وسلم- قال عن صائم الأيام الثلاثة من كل شهر: "إنَّ ذلك يعدل صوم الدهر" [رواه مسلم (١١٦٢)].

قال ابن القيم: هذا التشبيه إنما يقتضي التشبيه به في ثوابه، لو كان مستحبًّا.

والدليل عليه من نفس الحديث، فإنَّه جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر بمنزلة صيام الدهر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها، وهذا يقتضي أن يحصل له ثواب من صام ثلاثمائة وستين يومًا، ومعلوم أنَّ هذا حرام قطعًا، وغير جائز بالاتفاق، فالتشبيه إنما جاء على تقدير إمكانه.

٤ - الصيام المستحب هو صيام نبي الله تعالى داود؛ كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا، والمسلم الموفق يراعي الأحوال في عباداته وعاداته، فلا يترك شيئاً يطغى على شيء، فإنَّ الانهماك في نوع يحرم صاحبها من أشياء ربما تكون أفضل وأولى مما هو عليه.

٥ - جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "صُم يومًا، وأفطر يومًا؛ فإنَّه أفضل الصيام، ولا أفضل من ذلك"، قال

<<  <  ج: ص:  >  >>