أما الجمهور: فدليلهم حديث الباب، وما أخرجه الترمذي (٧٣٨) وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنَّ المتابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد"، وغيرهما من الأحاديث، وقد اعتمرت عائشة في شهر واحد مرَّتين، وذلك في حجتها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع.
والعلماء المحققون يريدون من العمرة ما يأتي بها الإنسان من بلده، لا ما يخرج من أجلها من مكة إلى أدنى الحل.
قال ابن القيم في زاد المعاد: ولم يكن في عُمَرِهِ -صلى الله عليه وسلم- عمرة واحدة خارجًا من مكة، كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عُمَرُه كلها وهو داخل إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنَّه أحرم خارجًا من مكة، تلك المدة أصلًا فالعمرة التي فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرعها عمرة الداخل إِلى مكة، لا عمرة من كان بها فخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلاَّ عائشة وحدها، من بين سائر من كان معه؛ لأنَّها كانت أحرمت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة، فصارت قارنة، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وبعمرة مستقلة، وترجع هي بعمرة ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم.
وأما الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-: فقال: وأما ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم، أو الجعرانة، أو غيرهما، وقد سبق أن اعتمر قبل الحج، فلا دليل على مشروعيته، بل الأدلة تدل على أنَّ الأفضل تركه، لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما أعمر عائشة من التنعيم لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعتمر بدلًا من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات، فأجابها -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك، وقد حصلت لها عمرتان، فمن كان مثل