"ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلاَّ الإبقاء عليهم"، كما جاء في صحيح مسلم:"إنَّ المشركين جلسوا مما يلي الحِجْر" أي على جبل قعيقعان، ومَنْ هُو فيه لا يرى مَن يكون بين الركنين اليمانين.
أما في حجة الوداع فقد جاء في حديث جابر الذي في مسلم (١٢١٨): "إنَّه -صلى الله عليه وسلم- رمل ثلاثًا، ومشى أربعًا" كما هو صريح في هذين الحديثين اللذين معنا، فيكون آخر أمره عليه الصلاة والسلام الرمل في كل الثلاثة، فتكون سنة الرمل هكذا.
٥ - الحكمة في إظهار الجَلَد والقوة أمام الأعداء من المشركين، الذين قالوا حينما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة: إنَّه يقدم عليكم قوم قد وَهَنَتْهم يثرب، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة، فكانت سنة لعموم المسلمين، ولذا فإنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فعله حتى بعد أن طهَّر الله مكَّة من المشركين والشرك في حجة الوداع، ولما خطر بذهن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تركه فقال:"ما لنا وللرمل، إنما كنا أرينا به المشركين قوتنا، وقد أهلكهم الله" ثم رجع فقال: "شيء صنعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا نحب أن نتركه".
قال ابن جرير: ثبت أنَّ الشارع رمل ولا مشرك يومئذٍ بمكة، فعُلِم أنَّه من مناسك الحج.
٦ - فيه استحباب إظهار القوة والجَلَد أمام أعداء الدين، لأنَّ في ذلك عزُّ الإسلام، وتوهين أعدائه.
٧ - إظهار القوة في العبادة والنشاط عليها لمقصد حسن، لا ينافي إخلاصها لله تعالى.
٨ - قال في فتح الباري: لا يشرع تدارك الرمل، فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة الباقية؛ لأنَّ هيئتها السكينة، فلا تغير.