وقال الجمهور: لا تجوز المساقاة والمزارعة إلاَّ في مدة معلومة وتأولوا قوله "ما شئنا" على مدة العهد، وأنَّ المراد: نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا، ثم نخرجكم إذا شئنا.
٧ - وأما المساقاة فإنَّ مدتها معلومة، وقد اتَّفقوا على أنَّها لا تجوز إلاَّ بأجلٍ معلوم.
٨ - قال ابن القيم: في قصة خيبر دليل على جواز المزارعة بجزء من غلة الزرع، فإنَّه -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر على ذلك, واستمر على ذلك إلى حين وفاته ولم ينسخ ألبتة، واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه، وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء بل من باب المشاركة، وهو نظير المضاربة سواء، فمن أباح المضاربة وحرم ذلك فقد فرَّق بين متماثلين، فإنَّه -صلى الله عليه وسلم- دفع إليهم الأرض على أن يعتملوها من أموالهم، ولم يدفع إليهم البذر، فدلَّ على أنَّ هديه عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض، وأنه يجوز أن يكون من العامل، كما أنَّه وفق القياس، فإنَّ الأرض بمنزلة رأس المال في المضاربة، والبذر يجري مجرى سقي الماء؛ ولهذا يموت في الأرض، ولا يرجع إلى صاحبه، ولو كان بمنزلة رأس المال في المضاربة؛ لاشتراط عوده إلى صاحبه، وهذا يفسد المزارعة، فعلم أنَّ القياس الصحيح هو الموافق لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين.
٩ - ذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنَّ المزارعة والمساقاة فاسدتان مطلقًا.
وذهب أكثر أهل العلم إلى جوازهما مجتمعتين، ومنفردتين.
قال النووي: هذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر ولا تقبل دعوى كون المزارعة في خيبر، إنما جاءت تبعًا للمساقاة، بل إنَّها مستقلة، ولأنَّ المعنى الموجود في المساقاة موجود في المزارعة، وقياسًا على القراض "المضاربة" فإنَّ القراض جائز بالإجماع وهو كالمزارعة في كل شيء، ولأنَّ