-صلى الله عليه وسلم- إذا نظر فيه ذو البصيرة بالحلال والحرام علِمَ أنَّه حرام.
وقال ابن القيم: إنَّ من تأمل حديث رافع بن خذيج وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمل مُجمَلها على مفسّرها، ومُطْلَقها ومقيّدها، علِمَ أنَّ الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك أمر بين الفساد، وهو المزارعة الظالمة الجائرة، فإنَّه قال:"كنا نكري الأرض على أنَّ لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه".
وفي لفظ له:"كان الناس يؤاجرون على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بما على الماذِيَانَات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلاَّ هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلومٌ مضمونٌ فلا بأس به".
وهذا من أبين ما في حديث رافع وأوضحه، وما فيها من مجملٍ أو مطلقٍ أو مختصر فيُحمل على هذا المفسَّر المبيَّن المتَّفق عليه لفظًا وحكمًا. اهـ كلامه -رحمه الله-.
قال الطيبي في شرح المشكاة: أحاديث النَّهي عن المزارعة في ظاهرها تباينٌ واختلاف، وجملة القول في الجمع بينها أنَّ رافع بن خديج سمع أحاديث في النَّهي عن المزارعة متنوعة، فنظمها في سلك واحدٍ، ولهذا تارةً يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتارةً يقول: حدَّثني عمومتي، وتارةً يقول: أخبرني عماي، والعلة في بعض الأحاديث أنَّهم يشترطون شروطًا فاسدة، وفي بعضها أنَّهم كانوا يتنازعون في الكراء، وفي بعضها أنَّه كره لهم الافتتان بالحراثة، فيقعدوا عن الجهاد.
وعلى هذا المعنى يجب أن يحمل الاضطراب المروي عن الإمام أحمد، لا على الاضطراب المصطلح عليه عند أهل الحديث، فإنَّه نوعٌ من أنواع الضعف، وحاشا لصاحبي الصحيح البخاري ومسلم أن يوردا شيئًا من هذا النوع.