وبهذا حصل الاضطراب في المتن والسند، وحصل فيها الشك، حتى قال الإمام أحمد: حديث رافع ألوان وضروب، وقد أنكره الصحابة، ولم يعلم به عبد الله بن عمر إلاَّ في خلافة معاوية، فكيف مثل هذا الحكم يخفى عليهم، وهم يتعاطونها، وسيأتي قريبًا معنا آخر لهذا الاضطراب.
وعلى فرض صحة أحاديث رافع، فقد أجاب العلماء عنها، وعن حديث جابر بأجوبةٍ مقنعةٍ.
وأحسن تلك الأجوبة الجمع بين أحاديث رافع، وأحاديث خيبر، وذلك بحمل النَّهي عن المزارعة في أحاديث رافع على المزارعة الفاسدة التي دخلها شيءٌ من الغرر والجهالة، وصار فيها شبه من الميسر والقمار والمغالبات المحرَّمة.
وهو حملٌ وجيهٌ، بل قد صرَّح رافع بذلك في بعض طرق أحاديثه.
قال الليث بن سعد: الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أمرٌ إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال، والحرام علم أنَّه لا يجوز؛ لما فيه من المخاطرة.
وقال ابن المنذر: قد جاءت أخبار رافع بعللٍ تدل على أنَّ النَّهي لتلك العلل.
وقال الخطابي: قد أعلمك رافع أنَّ المنهي عنه هو المجهول، دون المعلوم، وأنَّه كان من عادتهم أن يشترطوا شروطًا فاسدة، وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول، فيكون خاصًّا لربِّ المال، وقد يسلم ما على السواقي، ويهلك سائر الزرع، فيبقى المُزارع لا شيء له، وهذا غررٌ وخطرٌ.
والمزارعة شركة، وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المقصود أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المشاركة التي هي كراء الأرض بالمعنى العام، إذا اشترط لرب الأرض منها زرعُ مكانٍ بعينه، والأمر في ذلك كما قال الليث بن سعد، فقد بيَّن أنَّ الذي نهى عنه النبي