مفهومها كاعتبار منطوقها، وأما وجوب الاتباع فلا يظن ذلك من له نسبة إلى العلم، وإذا كان حكم الحاكم يرد منه ما خالف حكم الله ورسوله، فنص الواقف أولى.
* خلاف العلماء:
يرى الإمام أبو حنيفة جواز بيع الوقف والرجوع فيه إلاَّ أن يحكم به الحاكم، أو يعلقه بموته، فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا، فيلزم حينئذٍ، وخالفه أصحابه في ذلك، قال أبو يوسف: لو بلغ أبا حنيفة "حديث عمر" لقال به، ورجع عن بيع الوقف، والمفتى به في المذهب الحنفي هو قول أبي يوسف -رحمه الله-.
قال القرطبي: الرجوع في الوقف مخالفٌ للإجماع، فلا يلتفت إليه.
وذهب مالك والشافعي إلى لزوم الوقف، وعدم جواز بيعه بحال، أخذًا بعموم الحديث:"غير أنَّه لا يُباع أصلها".
وذهب أحمد إلى قول وسط، وهو أنه لا يجوز بيعه ولا الاستبدال به، إلاَّ أن تتعطَّل منافعه، فيجوز بيعه، واستبداله بغيره.
استدل على ذلك بفعل عمر حينما بلغه أنَّ بيت المال الذي بالكوفة نقب، فكتب إلى سعد بن أبي وقاص أمير الكوفة:"أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصلى".
وكان هذا بمحضر من الصحابة، فلم يُنْكر، فهو كالإجماع.
وشبَّهه الإمام أحمد بالهَدي الذي يعطب قبل بلوغه محله، فإنَّه يذبح بالحال، وتترك مراعاة المحل لإفضائها إلى فوات الانتفاع بالكلية.
قال ابن عقيل: الوقف مؤبد، ولما لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض، وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، وإيصال الأبدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض. اهـ.