نعمة المعتِق على رقيقه بالعتق، سواءٌ كان العتق منجزًا أو معلقًا، تطوعًا أو واجبًا, ولو بالكتابة، كما في حديث بريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما الولاء لمن أعتق"[متَّفق عليه].
٢ - فالولاء لُحْمة وارتباط، كارتباط النسب بدوامه وآثاره، ولا يوهب، ولا يُورث، وإنما يورث بهِ، فالرقيق كان في حال الرق كالمعدوم؛ لأنَّه لا يملك، ولا يتصرف، فلما أعتقه سيده صيَّره موجودًا كاملًا؛ لأنَّه أصبح يملك ويتصرف، فملك حقوقه بعد أن كان مملوكًا.
٣ - إذا لم يوجد للميت العتيق ورثة من النسب، لا من ذوي الفروض ولا من العصبة، فإنَّ الذي يرثه معتقه إن وجد، وإلاَّ فعصبةُ معتقه المتعصبون بأنفسهم، لا بالغير، ولا مع الغير، وإذا انتقل الإرث بالولاء إلى عصبة المعتق من بعده، فإنَّه للأقرب فالأقرب من ذكور العصبة دون الإناث، فإنه لا يرث من النساء بالتعصيب بالنفس إلاَّ من أعتقن، أو أعتقه من أعتقن.
٤ - تقدم أنَّ الإرث بالولاء يكون إن لم يوجد للعتيق عاصب من النسب، ولم تستغرق الفروض كل المال، فحينئذٍ يرث المال كله تعصيبًا، وإن كان للعتيق ورثة هم أصحاب فروض فقط، ولم يوجد عاصب بالنسب، فإنَّ للمعتق ما أبقت الفروض، وإن لم تُبْقِ شيئًا سقط شأنه، كأي عاصب.
٥ - جمهور العلماء يرون أن الولاء يورث به من جانبٍ واحدٍ، وهو جانب المعتِق؛ لأنَّه صاحب النعمة على عتيقه، فاختصَّ الإرث به، وقال شيخ الإِسلام: ويرث المولى من أسفل -يعني العتيق- عند عدم الورثة، وقال به بعض العلماء، وبه قال شيخنا عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، لما روى الخمسة إلاَّ النسائي، وحسَّنه الترمذي عن ابن عباس أنَّ رجلًا مات على عهد النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يترك وارثًا، إلاَّ عبدًا هو أعتقه، فأعطاه ميراثه، ولعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الولاء لحمة كلحمة النسب" فحيث شبَّهه بالنسب، فإنَّه يأخذ حكمه.