فإذا عتقت الرقيقة، وهي زوجةٌ لرقيق، صارت أفضل منه، وأكمل منه، وفُقِدت الكفاءة الزوجية بينهما، حيث أصبحت حرَّةً وهو رقيق، فحينئذٍ صار لها الخيار بأن تبقى عند زوجها، وإن كان رقيقًا؛ لأنَّ الاستدامة أقوى من الابتداء، أو تفسخ نكاحها منه.
٢ - وهذه قصة بريرة مولاة عائشة، كانت عند زوجها مُغيث، فأعتقتها عائشة -رضي الله عنها- فأعلمها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحكم؛ وخيَّرها بأن تبقى مع زوجها، أو تفسخ نكاحها، فاختارت الفسخ على بقائها معه.
٣ - مذهب الإمام أحمد فيه روايتان في الكفاءة:
إحداهما: أنَّ الكفاءة شرطٌ للزوم النكاح، لا لصحة النكاح مع فقدها؛ لأنَّها حقٌّ للأولياء، وهذه الرواية هي المشهور من المذهب عند المتأخرين.
والرواية الأخرى: أنَّها شرطٌ لصحة النِّكاح، فلا يصح النِّكاح مع فقدها، وهدذه الرواية هي المذهب عند المتقدمين من أصحاب أحمد، والحديث دليل للرواية الأولى، التي هي المشهور من المذهب؛ لأنَّه لو كان لا يصح مع فقدها، ما خيَّرها بالفسخ أو البقاء، ولفَسخَها بالحال.
٤ - قال ابن القيم: إنَّ مأخذ تخييرها أنَّ السيد عقد عليها بحكم الملك، حيث كان مالكًا لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضي ملك الرقبة والمنافع للمعتَق، وهذا مقصود العتق وحكمته، فإذا ملكت رقبتها، ملكت بُضْعها ومنافعها، ومن جملتها منافع البُضْع، فلا يُملك عليها إلاَّ باختيارها أحد الأمرين: البقاء تحت الزوج، أو الفسخ منه.
٥ - وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة:"ملكْتِ نفسك فاختاري".